واحد من أشهر الأفلام السينمائية المصرية يحمل عنوان «اسكندرية ليه» وأخرجه الراحل يوسف شاهين وسرد فيه سيرته الذاتية التي امتزجت بتاريخ المدينة التي بقيت منذ نشأتها نموذجاً للتعايش. وعاد التساؤل الذي ورد في عنوان الفيلم يفرض نفسه على المصريين وغيرهم: هل كان اختيار الجناة الإسكندرية لينفذوا فيها التفجير الانتحاري الذي أحدث صدمة على كل المستويات محلياً وإقليمياً ودولياً، مسألة عشوائية أم أمراً مدروساً ومقصوداً؟ كان هدف الضالعين في الجريمة قتل أكبر عدد من الأقباط فلماذا كانت الإسكندرية دون غيرها من المحافظات المصرية التي تشهد هي الأخرى على فترات احتقانات أو حتى اشتباكات طائفية؟. بطريرك الكرازة المرقسية الانبا شنودة الثالث هو «بابا الإسكندرية»، والكنيسة في تلك المدينة هي التي ينتمي إليها كل الأقباط الأرثوذوكس في العالم، ومن جهة أخرى، فالمدينة فيها حركة إسلامية سلفية نشطة، شهدت خلال السنوات الماضية تصعيداً كبيراً تمثل في تظاهرات احتجاجية شارك فيها عشرات الآلاف للاعتراض على أمور مختلفة غالبيتها على علاقة بشكل أو آخر بالكنيسة أو الملف القبطي أبرزها الاحتجاجات على اختفاء سيدة قبطية قيل أنها أسلمت ثم سُلمت إلى الكنيسة. في الأسكندرية أيضاً حضور طاغ ل»الإخوان المسلمين» تمثل في فوز مرشحي الجماعة بعدد وافر في انتخابات العام 2005 ويبدو ظاهراً أيضا في النشاط الديني والاجتماعي والاقتصادي للجماعة في أحياء المدينة وشوارعها. كما ان كنيسة القديسين نفسها شهدت قبل أربع سنوات حادثاً طائفياً عندما طعن مواطن مسلم، قيل إنه مختل عقلياً مواطناً قبطياً، وأرداه بعد خلافات طائفية في الحي نفسه. وأخيراً فإن التكثيف الأمني والإجراءات الاحترازية الطارئة عادة ما تكون شديدة وقوية وصارمة في المركز أي في العاصمة وتخف وتقل وتصل إلى مراحل الهدوء أو الارتخاء كلما ابتعد «الهدف» عن المركز، فإذا كان الهدف بعيداً من العاصمة ولكن يحظى بالاهتمام وتسليط الأضواء فإنه يكون هدفاً مثالياً. وعلى ذلك فإن مخططي ومنفذي الحادث أرادوا رد فعل غاضب وعنيف من الأقباط وفي كل الاتجاهات على تنفيذ أول عمل انتحاري ضد هدف قبطي في مصر، لكنه في الوقت نفسه ليس العمل الأول الذي يستهدف الأقباط في المدينة، وكذلك أرادوا رد فعل دولي يصب في إشاعة ونشر مشاعر بأن الأقباط في مصر مستهدفين أو لا يحظون بالحماية ما يمثل ضغوطاً شديدة على نظام الحكم الذي سيجد نفسه يواجه غضب الأقباط في الداخل والخارج وضغوطاً من المجتمع الدولي. وبكل تأكيد فإن من أهداف العملية بالطبع ترسيخ اعتقاد بأن الجريمة هى محصلة لحوادث فتنة طائفية متفرقة وقعت من قبل في المدينة ونتيجة لتسخين من جانب الطرفين: المسلمين والأقباط في الإسكندرية دون أن يلتفت القائمون على الأمور إلى مدى خطورته وتأثيره. كل ذلك يرد على السؤال: اسكندرية ليه؟. أما لماذا كان الهدف قبطياً وليس يهودياً مثلاً؟ علماً بأن «مولد أبو حصيرة» كان نصب أعينهم في إحدى قرى محافظة البحيرة قبلها بأيام وسط احتجاجات شديدة من جانب قطاعات عريضة من الشعب المصري ورفض من جانب أهالي المحافظة الذين أعلنوا مراراً خلال السنوات الماضية رفضهم دخول أعداد كبيرة من السياح اليهود عموماً والإسرائيليين خصوصاً إلى المدينة ثم إلى القرية واتخاذ إجراءات أمنية شديدة لتأمينهم على حساب راحتهم وربما سلامتهم. الاجابة هنا أن الهدف اليهودي أو الإسرائيلي لا يؤدي الى النتيجة نفسها. إذ ليس سراً أن عملية ضد إسرائيليين قد تجد تعاطفاً من فئات في الشعب المصري وربما العربي وقد تفرز ضغوطاً إسرائيلية أو أميركية أو دولية على النظام المصري هي في حد ذاتها تنتج تقارباً بين النظام والشعب، الهدف القبطي سهل وأكثر تأثيراً وتحقيقاً للنتائج التي سعى الضالعون في العملية إلى تحقيقها. أما طبيعة الجهة التي تقف وراء العملية فأمر متروك لجهات التحقيق، حتى يتم الإعلان عن نتائجه. لكن المؤكد أن بقاء رد فعل الأقباط عند حدود الغضب أو الاحتجاج شبه السلمي دون استخدام العنف فأمر لم يرضِ الجناة ومن وراءهم، كما أن مظاهر التعاطف من جانب المسلمين المصريين وحملات الإدانة ضد الحادثة فأمر لم يسعدهم، أما مواقف المساندة من المجتمع الدولي فأمر أغضبهم.