اتفق مع الجميع أن الأمطار التي هطلت هذا العام على مدينة جدة، لم تكن بالكمية الكبيرة مقارنة بالعام الماضي، وأتفق أيضاً أن الأجهزة الحكومية من أمانة مدينة جدة، وسيارات الدفاع المدني والإسعاف وجهات أخرى كانت على أهبة الاستعداد منذ أسابيع قبل هطول الأمطار، وأعرف أيضاً أن المواطنين كانوا أكثر يقظة من العام الماضي، لهذا جاء الإعلان عن الوفيات هذا العام ضئيلاً والخسائر في الأرواح محدودة، ويجب ألا ننكر الجهود العالية التي بذلت ولا تزال لسحب المياه المتجمعة من الطرقات والشوارع، وحال استنفار سيارات سحب المياه. بصراحة إن استعداد الإدارات الحكومية في مسألة مواجهة الأزمة كانت رائعة ويقظة، والحقيقة ذكرتني بقصة قرأتها عندما كنت طالباً في الابتدائية، وهي يقظة أهل القرية للقبض على الثعلب الذي كان يفترس أغنام أهل القرية خلسة، فقرروا جميعاً متابعته ومهاجمته وقتله، وعلى رغم أنهم تمكنوا من قتله والقضاء عليه، فإن أهل القرية كانت تصيبهم حال من الذعر والخوف والعقدة النفسية كلما سمعوا صوته أو خربشة في أحواش الغنم قاموا مفزوعين، لأنهم قضوا على الثعلب، ولكن لم يتمكنوا من بناء سور يحمي قريتهم من حيوانات متوحشة أخرى. و هكذا حالنا نحن مع المطر بعد أن هاجمنا العام الماضي، استنفرنا كل شيء، وتحدثنا وتكلمنا واعتلينا المنابر، صدح المسؤولون بوعود، وأعلنت حال الطوارئ لمخاطبة وزارة المالية، وشكلت فرق عمل، وحديث لن ينتهي عن الخطط القصيرة والمتوسطة وطويلة الأجل، ووجهنا اللوم إلى المنازل التي أقيمت على مجاري السيول وتأخر مشاريع الصرف. لا أريد أن أقلب في مواجع الكثيرين الذين فقدوا عزيزاً عليهم أو تضرروا. حسناً... والآن بعد أن مضى عام على الكارثة وبعد كل هذا، هل يجب علينا أن نعيش الخوف والذعر دائماً، حتى إن افترضنا أن كميات الأمطار التي هطلت قليلة، وأن الاستعداد كان باكراً وجيداً، فهل هذا يعني أن سكان جدة سيبقون هكذا متى ما تلبدت السماء بالغيوم، يهرعون إلى منازلهم لملمة أشيائهم، وسكان الدور الأرضي يصعدون إلى السطح، ويُبعد الناس سياراتهم من الطرقات؟! إذا افترضنا أن كميات المياه التي نزلت قليلة، فلماذا تتحول فرحتهم بالمطر إلى كارثة، ليس بالضرورة أن يجرفهم السيل، فانقطاع الكهرباء، توقف حركة السير والطرقات لساعات طويلة، حال الهلع لجلب أبنائهم وبناتهم والنساء من العمل. في المؤتمر الصحافي لأمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل، تحدث عن كل شيء، واستبشرنا بهذا العمل العظيم للإدارات الحكومية، ووقفنا على حال مخطط «أم الخير» في شرق جدة، وبعض المناطق الأخرى، وسعدنا جداً بإنقاذ الدفاع المدني ل200 شخص بواسطة طائرات الدفاع المدني، إلا أن الأمير تجاهل تماماً أن يخبرنا عما تم بالنسبة لطريق الحرمين، الذي أُغلق تماماً هذا العام أيضاً، وتهدمت الأرصفة والحواجز، ولم يتطرق إطلاقاً إلى خطة سير مشروع تصريف مياه الأمطار وأين وصل، ولا حتى سبب إغلاق بعض الأنفاق التي تجمعت فيها المياه، وعطلت تجمعات الأمطار الكثير من الشوارع. حسناً... بالله عليكم على مدار العام، ماذا أنجزت الإدارات الحكومية المعنية، وتحديداً أمانة محافظة جدة، فمعظم الطرقات تشتكي من سوء التعبيد والترصيف والأسفلت والنتوءات، أكثر الحوادث التي شهدتها أمطار جدة الحالية سقوط سيارات في حفر المشاريع التي ردمتها الشركات. على الأقل كنا نتوقع أن طريق الحرمين أصبح ذا مسارات أكثر، خمسة أو ستة مسارات، لكونه الطريق الحيوي الوحيد الذي يستخدم لموسم الحج والعمرة، فضلاً عن كونه الطريق الرئيس الذي تسير عليه الشاحنات والسيارات الكبيرة والسيارات الأخرى، كنا نتوقع أن المخططات والأحياء التي أقيمت على طرق السيل ومنها مخطط «أم الخير» قد تم معالجتها وإيجاد الحلول المناسبة ونقل سكانها إلى مناطق أخرى، كنا نتوقع معالجة أفضل لتصريف مياه الأمطار. قد يقول أحدهم: إنك تجعل من «الحبة قبة». فأقول له: نعم ممتلكات الناس وحياتهم يجب أن تكون «قبة» لدى المسؤولين، وفي كل دول العالم الناس ينعمون بالأمطار ويترفهون ويتنزهون مهما كانت قوتها، لأنهم يعرفون أنهم سيجدون طرقات آمنة للسير عليها وشبكات لتصريف مياه الأمطار وسيجدون طرق مواصلات سهلة، وحينما يعودون إلى منازلهم بعد يوم طويل لن يفاجئوا بانقطاع الكهرباء، أو دخول الماء إلى أدوارهم الأرضية، ولن يتصل أحد بجاره ويطلب منه أن يقفز جدار منزله، ويتأكد أن أثاث منزله لم يتبلل مثلما حدث مع صديقة زميلتنا الكاتبة «أميرة كشغري» التي فوجئت بمكالمة من إحدى صديقاتها غير موجودة في البلد، وطلبت منها أن تذهب إلى منزلها وتتأكد من سلامة الأثاث والمحتويات. أرجوكم لا تغضبوا... ماليزيا تهطل فيها الأمطار بشكل مستمر ومنقطع وهي دولة عمرها 40 عاماً، ولم يحدث أن شاهدت سيارات الشفط أو نتوءات أو حفريات عميقة تنتج من الأمطار. هل يجب أن نكون مثل ماليزيا، حتى نكتشف عيوب المشاريع لدينا، هل من المعقول أن أمطار السنوات الماضية لم تكشف لنا الخلل؟ أتخيل أن لو أن الأمطار لدينا تهطل كل خمس سنوات لتأخرت لدينا التنمية مئات السنين! وكل مطرة وأنتم في أمن وسلامة. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]