قبل سنة بدا وكأن حزب «البديل من أجل ألمانيا» القومي المتشدد والشعبوي المناهض للاتحاد الأوروبي والعولمة وللمهاجرين العرب والمسلمين يستأثر باهتمام ودعم المزيد من الألمان المرتابين من المسلمين الذين اكتسحوا البلاد بعد ترحيب المستشارة أنغيلا مركل بالفارين من سورية وحروب الشرق الأوسط الأوسط الأخرى، وكذلك الخائفين من الإرهاب الجماعي والفردي الذي ينغص عليهم حياتهم ويهدد انسيابية حركتهم اليومية وحرياتهم الشخصية، لكن الألمان استيقظوا الآن من الحلم الذي أغرقوا فيه أنفسهم طوعاً، إذ كشفت جميع استطلاعات الرأي التي أجريت منذ كانون الثاني (يناير) الماضي وحتى آذار (مارس) أن هذا الحزب خسر ثلث أصوات داعميه، فوفق نتائج استطلاع للرأي أجراه معهد (أمنيد) لقياس مؤشرات الرأي لمصلحة صحيفة «بيلد إم زونتاغ» الأسبوعية أن نسبة داعمي الحزب ومؤيديه تراجعت إلى 8 في المئة بعد أن كانت 10 في المئة العام الماضي. عقد الحزب مؤتمره السنوي قبل أسابيع عدة في أجواء مشحونة من الانقسامات والصراعات الحادة بين قيادييه شبيهة بالدراما الجذابة الحاصلة في المسلسل الأميركي الشهير (House of Cards) حسب وصف لموقع «دويتشه فيلله «الالكتروني الذي قال إن «ما يحصل بين قادة هذا الحزب هو توليفة تجمع الواقع بالخيال حاول طيلة السنوات المنصرمة منذ إعلان تأسيسه عام 2013 حجبها عن الرأي العام ومنع السقوط لقمة سائغة بيد الميديا والأحزاب التقليدية التي تترقب للانقضاض عليه وتعرية خطابه الماكر. وشن زعيم الحزب الاشتراكي الديموقراطي ومنافس مركل على منصب المستشارية مارتن شولتس هجوماً لاذعاً على»البديل»، قائلاً إنه» لا يقدم حلاً لأي شيء... إن هذا الحزب ليس بديلاً من أجل ألمانيا، بل هو عار على ألمانيا». ووفق العضو السابق في منظمة يمنية متشددة ماتياس أدريان فإن «جوهر نظرة النازيين الجدد إلى العالم تنطلق من فكرة وحدة الشعب على أساس العرق واستبعاد كل من لا ينتمي إلى هذا الشعب مثل المهاجرين والأفارقة والمسلمين والعرب واليهود. وقال الأستاذ في جامعة برلين الحرة آرند باور كيمبغر» إن أيديولوجيتهم تؤمن بالقائد المطلق والديكاتورية وإنكار الديموقراطية والتعددية». دمامل في جسد الشعبوية تفجرت دمامل وتقيحات الاورام الملتهبة في جسد الحزب مع إعلان رئيسته فراوكة بيتري خلال مؤتمره الذي عقد في كولونيا عدم الترشح على رأس لائحة الحزب في الانتخابات النيابية التي ستجرى في أيلول المقبل، وتسربت معلومات تفيد بأن قيادة الحزب رفضت اشتراطها أن تكون المرشحة الوحيدة وأصرت على لائحة بقيادة جماعية وليس فقط زعيمة الحزب. ولقد أثارت بيتري استغراب رفاقها في القيادة لسلوكها في هذه المرحلة الحرجة التي تستلزم الوحدة والتفاهم لتحقيق النجاح في الاقتراع وتسببها في بث الفرقة وتهييج التصدعات، وردت على تساؤلاتهم بأنها تعتبر الانقسامات الجارية بين ما يعرف باسم تيار الواقعية السياسية والتيار الأصولي المعارض مصطنعة. وكان زعيم الحزب السابق بيرند لوكه أثار نقاشاً حول ضرورة تثبيت الأفكار المتشددة أدى في النهاية إلى تنحيه بعد قيام بيتري بالانقلاب عليه وتشكيلها محوراً يعارض أفكاره وطروحاته المتطرفة ليس لعدم قناعتها بها، بل لأنها كما ذكر محللون ألمان أرادت أن تقدم الحزب بصورة نظيفة لتوسع قاعدته الشعبيه وجذب أكبر عدد ممكن في الانتخابات المرتقبة، إضافة إلى توجيه ضربة قاصمة لمنافسها الذي يمثل الجناح المتشدد في القيادة بيورن هوكة زعيم فرعه في ولاية تورنغن. ويعد هوكة من أشد معارضي سياساتها وأكثرهم خطراً على زعامتها الحزب. حصيلة المؤتمر تجسدت بتكليف نائب رئيس الحزب ألكسندر غاولاند (76سنة) والقيادية الشابة أليس فايدل (38 سنة) وهي خبيرة اقتصادية بقيادة حملته الانتخابية وخروج بيتري متعللة بكونها حبلى وتنتظر أن تلد طفلها الخامس بعد أشهر. عوامل أزمة البديل خروج بيري يؤشر إلى أن التغيير الجذري الذي أرادته في خطاب الحزب السياسي بتبنيه خطاباً معتدلاً يتيح له تنامياً شعبياً يوصله عام 2021 إلى الحكم بالتحالف مع أحزاب أخرى، لن يحدث ما دامت تعارضه مجموعة مؤثرة داخل قيادة الحزب وقواعده يتصدرها غاولاند الذي نقلت عنه الصحف معارضته تبني خطابا معتدلاً لأن ذلك سيؤدي إلى نفور داعميه وربما خسارته الكثير من الأعضاء. وهذا بالتحديد ما أدى إلى تعميق الفجوة بين هذا التيار وبين بيتري التي شددت على أهمية التخلي عن الخطاب العنصري المعادي للسامية. وأفادت استطلاعات للرأي بأن 50 في المئة من الألمان يعتقدون أن خروج بيتري سيضعف الحزب في الانتخابات، مقابل17 في المئة رأوا العكس، فيما لا يبدي 33 في المئة أي رأي في هذا الشأن. ويتفق المراقبون على أن برنامج الحزب الانتخابي يمتلك مقومات جذب كثيرة للناخبين الغاضبين من أداء الاحزاب التقليدية ومن سياسات مركل الخاصة بالمهاجرين واللاجئين وطريقة التعاطي مع الجماعات السلفية المتطرفة في البلاد وتجاهلها المجتمعات الموازية التي يؤسسها المهاجرون من الشرق الأوسط وعدم التزامها القيم الألمانية والأوروبية. ويدعو الحزب إلى مكافحة الهجرة الجماعية والتوقف عن تنفيذ قرارات جمع شمل اسر اللاجئين ومنع ارتداء الحجاب والنقاب والبرقع بصورة تامة وسحب الجنسية الألمانية من المتورطين في جرائم إرهابية والمشاركة في حروب الشرق الأوسط، ومنع الآذان ووقف برامج تعليم الإسلام في المدارس ومراقبة المساجد وإغلاق تلك غير الشرعية منها، وفرض خطاب مركزي موحد في الجوامع ومنع حصول المراكز الإسلامية على تمويلات مالية من الخارج، وتنظيم استفتاء شعبي حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، وإعادة الخدمة الإلزامية العسكرية، وفي السياسة الخارجية رفع العقوبات عن روسيا وتعميق العلاقات السياسية والاقتصادية معها، ورفض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ورفض الاتفاق التجاري الحر بين الاتحاد الأوروبي وكندا، إضافة إلى إلغاء اتفاق الشراكة الاستثمارية والتجارية عبر الأطلسي، وإغلاق الحدود وطرد أعداد كبيرة من المهاجرين. صفعة للتيار المعتدل يتسم خطاب الحزب قبل خمسة اشهر من موعد الانتخابات بمزيد من التشدد، ويأتي طرده زعيمته بيتري بمثابة صفعة للتيار المعتدل لاسيما وانه يسعى لتوسيع قاعدته الشعبية الى جميع الولايات الالمانية ال16لان وجود ممثلين له يقتصر الان على 11 ولاية فقط. وحذر المجلس المركزي في المانيا وهو منظمة غير حكومية من تنامي نفوذ التيار المتشدد ومعاداته للمسلمين والإسلام، ونقلت صحيفة «نيو اوزنبروكر تسايتونغ» عن رئيسه أيمن مزيك قوله: «إن بيتري تفضل خوض حوار مع المجلس، لكن التيار المتشدد قوض هذا التوجه». ينبه تقرير نشرته صحيفة «دي فيلت» إلى ظاهرة خطيرة تجتاح المجتمع الألماني والأوروبي في شكل عام تنبئ بتغييرات مستقبلية ذات آثار ونتائج مدمرة للمشروع الأوروبي ما يتطلب من قيادة الاتحاد الأوروبي الشروع الفوري في عمليات إصلاحية جذرية، وتبني تشريعات جديدة تعيد للمشروع الأوروبي حيويته وجاذبيته وسط جيل الشباب الغاضب من البطالة وانعدام العدالة الاجتماعية والبيروقراطية وآثار العولمة والفساد المستشري في أوساط النخب السياسية التقليدية. ويتضح من نتائج استطلاع نشرته الصحيفة أن 26 في المئة من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين18 و25 سنة صوتوا لحزب «البديل» خلال الانتخابات النيابية العام الماضي في ولاية سكسونيا، إذ تفوق بنسبة 10 في المئة على الحزب الديمقراطي المسيحي، أما في ولاية برندينبيرغ الغنية، فإن داعمي هذا الحزب من كبار السن كانوا أكثر من الشباب. ويشير استطلاع جديد للرأي إلى أن نصف الناخبين من أعمار 18- 29 سنة في ولاية ميكلنبورغ فور بومرن أعلنوا أنهم سيعطون أصواتهم إلى الحزب، ويرى محللون أن هذه التركيبة قد تتغير خلال الأشهر المتبقية للانتخابات تبعاً للتطورات والأحداث والإجراءات التي تتخذها الحكومة لمكافحة الإرهاب وإحباط عمليات إرهابية محتملة. وحمل المحلل السياسي في «دي فيلت» مارتن بوكهارت المستشارة مركل جزءاً من المسؤولية عن صعود اليمين المتطرف بسبب سياسة الترحيب باللاجئين، إلا أنه شدد في الوقت ذاته على أن «هذا ليس كل المشكلة، فالقضية تعود إلى ما قبل أكثر من عشر سنوات، فهناك أزمة اقتصادية، وتوسع في الفجوة بين الأغنياء والفقراء أدت إلى تشكل نسبة واسعة من الفئات المحتجة والغاضبة بسبب البطالة تحمل الأجانب واللاجئين المسؤولية عن تدهور أحوالهم المعيشية». تراجع شعبية حزب «البديل» خلال الأشهر المنصرمة والأزمة التي تفتت قيادته وتثير مزيد من الانقسامات وسط قاعدته الشعبية ستؤدي إلى عزوف أعداد جديدة عن دعمه وتأييده، وبرأي مدير قسم السياسات الدولية في مؤسسة (فريديش إيبرت – ستفتونغ) مايكل برونينغ في مقالة له نشرتها «فورين أفيرز» الأميركية «أن ثلاثة عوامل تقف وراء أزمة «البديل» هي: أولاً: تشديد حكومة مركل قوانين وسياسات الهجرة واللجوء. ثانياً: اختيار الحزب الاشتراكي الديموقراطي مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي السابق مرشحاً له للمستشارية، وهو ليس من الوسط السياسي الألماني ولم يتبوأ اي منصب رسمي ويتمتع بسمعة نظيفة في محاولة منه لاظهار الرغبة في التغيير الجذري في السياسة الداخلية لاستمالة ناخبي اليمين الوسط المستائين من بقاء الأوضاع على حالها واجتذاب أصوات المترددين ومنعهم من الاقتراع للمتطرفين. ثالثاً: انكشاف التناقضات الداخلية للحزب الذي حرص على إبقائها بعيداً من أعين الناخبين والميديا. ففي اجتماع للحزب طعن بيورن هوكه وهو أستاذ سابق للتاريخ وأحد أبرز القادة الإقليميين في مقاربة ألمانيا ماضيها النازي، ودعا إلى تغيير هذه المقاربة والطعن في أركان الهوية الألمانية بعد الحرب الثانية، فأبعد بالتالي المعتدلين والوسطيين عن الحزب». ويضيف أن «الحزب على خلاف غيره من الأحزاب الشعبوية أخفق في استمالة العمال المياومين من طريق تبني سياسات تعيد توزيع العوائد على الفئات الأكثر فقراً». وكانت صحيفة «يونغة فيلت» اليسارية رصدت محاضرة ألقاها هوكه في معهد سياسة الدولة المتهم بالتطرف اليميني قال فيها: «إن نشوء الأوروبيين وتطورهم يختلف في مساره عن نشوء الأفارقة وتطورهم». وكشف برنامج «مونيتور» الذي تبثه قناة التلفزيون الأولى في ألمانيا (أ.ر.د) عن علاقة عضوية لهانز توماس تيلشنايدر رئيس المنبر الوطني في حزب «البديل» بإحدى المنظمات النازية المحظورة.