ما يميز إسرائيل عن غيرها من الدول، اعتماد ديبلوماسية القوة في إدارتها للعمل السياسي والديبلوماسي في المنطقة، وبذلك تشكل المدرسة التي ينبغي أن يتعلم العرب منها فنون العمل الديبلوماسي. فإسرائيل لا تهتم كثيراً بإرضاء سفير الولاياتالمتحدة أو بريطانيا أو غيرهما من سفراء الدول الكبرى، كما هي الحال لدى الدول العربية، وهذا ما أكدته تسريبات وثائق ويكيليكس، ولا عيب في أن نراجع أخطاءنا السابقة، ونجعل من ويكيليكس مرحلة سابقة تتلوها مرحلة جديدة من العمل الديبلوماسي الذي يراعي فقط عند ممارسته مصالح الدولة، ومصالح الأمن القومي العربي. هناك نموذجان هامان في الإدارة الديبلوماسية مارستهما إسرائيل وهما: 1- الديبلوماسية في أفريقيا: حيث قامت إسرائيل بتعزيز علاقاتها مع دول حوض النيل في أفريقيا، وعززت سفاراتها المنتشرة في القرن الافريقي، والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي والزراعي مع تلك الدول، حتى وصلت اسرائيل الى درجة التأثير في القرار السياسي لتلك الدول، والهدف الاسرائيلي هو تطويع مصر والضغط عليها من خلال بوابة المياه، التي تمثل أخطر تهديد على الأمن القومي المصري، ونجحت اسرائيل نسبياً في ذلك، وحتى الآن لم تتحرك الجامعة العربية ولا الدبلوماسية العربية من أجل منافسة الدور الاسرائيلي في أفريقيا. وأيضاً الديبلوماسية الإسرائيلية ليست بعيدة عما يجري من مخططات لتقسيم السودان، ولم يكن تصريح زعيم الحركة الشعبية سلفا كير بفتح سفارة لإسرائيل في جوبا للاستهلاك الاعلامي، وإنما كرد جميل لما يقوم به جهاز الموساد من تقديم الدعم للحركة الشعبية ولفكرة تقسيم السودان، لأن في ذلك قوة استراتيجية لإسرائيل في المنظور البعيد. 2- ديبلوماسية إسرائيل مع تركيا: فالعلاقة بينهما قوية واستراتيجية، ولكن ربما بعد فوز حزب العدالة والتنمية، بدأت العلاقة بالتوتر حتى جاءت حرب غزة، والتي من أهم تداعياتها التأثير على شكل العلاقة بين تركيا واسرائيل، فمن دافوس، والتي قاطع السيد رجب طيب أردوغان جلساتها احتجاجاً على حديث الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز، إلى حادثة اهانة السفير التركي في اسرائيل، ثم جاءت حادثة أسطول الحرية، والتي استشهد فيها تسعة شهداء أتراك في بحر غزة، لتؤزم العلاقات الاسرائيلية التركية، ولكن كيف أدارت الديبلوماسية الإسرائيلية معركتها مع تركيا؟ على الفور لجأت إسرائيل إلى دول الجوار التركي، وبحثت عن أكثر الدول غير الصديقة لتركيا، فوقع اختيارها على قبرص، وبعد مفاوضات لم تستغرق أكثر من يومين وقعت اسرائيل اتفاقات تعاون بينها وبين قبرص حول الحدود البحرية بينهما في منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بالثروات الطبيعية من نفط وغاز وغير ذلك، ما دفع تركيا إلى التهديد بإرسال أسطولها البحري الى المنطقة لمنع أي عمليات تنقيب. هذه هي الديبلوماسية الإسرائيلية التي قد تعرض على تركيا صفقة وقف التنقيب مع قبرص مقابل اعادة العلاقات بينهما من دون الاعتذار ودفع التعويضات لشهداء أسطول الحرية، وهذا متروك للأيام المقبلة. صحيح أن أساتذة العلوم السياسية الذين تعلمنا على أيديهم كانوا يرددون مقولة «أنه لا أخلاق في العمل السياسي»، وهذا يطرح تساؤلاً هل أخلاق الديبلوماسية العربية هي ما يقف حائلاً دون البحث عن نقاط الضعف الاسرائيلية، والمناورة من منطلق أوراق القوة، وهذا من شأنه أن يمثل دعماً وقوة لقرارات لجنة مبادرة السلام العربية. وربما من أبرز نقاط الضعف لإسرائيل ان يتم انتهاج الديبلوماسية العربية للخطوات الآتية: 1- الدعم السياسي والمادي لحركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية. 2- تعزيز العلاقات مع ايران وباكستان. 3- ممارسة دور سياسي واقتصادي في آسيا الوسطى. 4- منافسة الدور الاسرائيلي في أفريقيا وتحديداً في دول حوض النيل. 5- مساندة مؤسسات السلطة الفلسطينية مالياً وسياسياً، وتحريرهما من المال السياسي الأوروبي والأميركي.