تنشغل حكومات العالم في البحث عن وسائل وأدوات دقيقة وناجحة لمكافحة جرائم الانترنت، فوسائل الاتصال ووحدات الطوارئ وشبكات إمداد الماء والكهرباء والمصانع والإدارة الحكومية ومجمعات الصناعة في مختلف القطاعات ووسائل الإعلام والنشر الالكترونية تعمل كلها من طريق شبكات الكومبيوتر التي أخذت تتعرض لهجمات الكترونية وقرصنة متجددة تؤدي إلى انقطاع الانترنت أو انهيار انظمة الكومبيوتر، ما يؤدي إلى إحداث شلل تام في الحياة العامة للدول والمجتمعات. وتشير بعض البيانات الصادرة عام 2012 إلى أن أكثر من مليون شخص يصبحون ضحايا جرائم الانترنت يومياً في أنحاء العالم، بكلفة تصل إلى نحو 388 بليون دولار. وفي استطلاع أجرته شركة «إنتل سكيورتي» شارك فيه 500 خبير ومختص في شؤون الأمن الالكتروني والمعلومات حول العالم لقياس مدى الوعي بالمعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالتهديدات الالكترونية، قال 42 في المئة إنهم يشاركون المعلومات المتعلقة بالتهديدات الالكترونية. وعن سؤال عن أنواع البيانات المتصلة بهذه التهديدات ذكر 27 في المئة البرامج الخبيثة و58 في المئة سلامة المواقع الالكترونية وسمعتها. البرمجيات الخبيثة: فعل إجرامي يتفق خبراء أمن المعلوماتية والانترنت على ترقب ظهور المزيد من الفيروسات والبرمجيات الخبيثة التي لا تظهر كتطبيق في الهاتف الذكي، لأن الهاكرز سيستغلون بدلاً من ذلك الجهاز الذي تم تحصينه ضد الفيروسات لتحديد المعلومات القيمة وإرسالها إلى الخادم. ونبهت «بلوكوت سيستمز» إلى أن «الشبكات الإجرامية الكبيرة توظف البرمجيات الخبيثة كنموذج أعمال، إذ تشكل الأجهزة المصابة بفيروسات وبرمجيات خبيثة بنية تحتية شديدة الكفاءة في شن الهجمات وإصابة المستخدمين». وفي تقريرها الأخير عن التهديدات الأمنية الالكترونية المتوقعة لعام 2017، حددت «إنتل سكيورتي» 14 توجهاً جديداً للتهديدات من بينها: هجمات الفدية الخبيثة والهجمات المتطورة على البرمجيات والأجهزة وهجمات أجهزة انترنت الأشياء ضمن المنازل الذكية، واستغلال تعلم الآلآت لتعزيز هجمات الهندسة الاجتماعية، إضافة إلى محاولة قيام مجرمي الانترنت الذين يعتمدون برمجيات الحواسيب الجوالة بقرصنة الطائرات المسيرة لأهداف إجرامية أكبر ولمزيد من نشاطات التخريب الالكتروني. وكذلك توقعت أن يصبح التجسس على شبكة الانترنت شائعاً في القطاع الخاص، وألا تسلم من الهجمات مؤسسات الإنتاج التلفزيوني والنشر والتوزيع ووسائط الإعلام في شكل عام. ويقول راي كافيتي نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا في «أتيفو نتووركس»: «عقب انطلاق الخدمات الذكية والمحمولة وانترنت الأشياء، ازدادت الرقعة الجغرافية التي تستهدفها جماعات الهاكرز في شكل كبير، وشهد عام 2016 مرحلة جديدة من الهجمات الالكترونية على المواقع الخاصة بالقطاع المصرفي والطيران والحكومات في منطقة الشرق الأوسط، وهو اتجاه ليس من المرجح أن يتغير في المستقبل القريب». وكان وزير الدفاع الأميركي الأسبق ليون بانيتا قال في منتدى لرجال الأعمال في نورفولك بفرجينيا: «تواجه بلادنا تهديداً عسكرياً مستجداً تماماً... نتعرض لمئات آلاف الهجمات الالكترونية يومياً، وهؤلاء الذي يشنّونها يطورون قدراتهم على استهداف مواقعنا الالكترونية وشبكات الكهرباء ونظمنا المالية وأنظمة الحكومة في محاولة لشلنا تماماً»، واصفاً ما يحدث بأنه «حرب المستقبل». ورأى الباحث والأستاذ المساعد في جامعة بوسطن وليام روبرتسون أن «الإدارة الأميركية لا تبالغ في خوفها الالكتروني». 450 بليون دولار كلفة القرصنة الالكترونية ترتفع في شكل متواصل كلفة الحرب الالكترونية في العالم، وقال المدير التنفيذي لمؤسسة «أوبن ثينكينغ» للتدريب إياد مرتضى: «تسببت الهجمات الإلكترونية في العالم بخسائر اقتصادية تقدر ب450 بليون دولار بنهاية العام الماضي». وتوقع الخبير في تكنولوجيا المعلومات في حديث إلى وكالة أنباء الأناضول على هامش مؤتمر مكافحة الاحتيال بالشرق الأوسط في دبي، أن يصل حجم الخسائر الاقتصادية إلى ثلاثة تريليونات دولار بحلول عام 2020 إذا لم تتخذ الحكومات التدابير اللازمة لمواجهة هجمات القرصنة الإلكترونية. ويشير تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «سي إس آي إس» إلى أن «خسائر الولاياتالمتحدةوالصين واليابان وألمانيا من الهجمات الالكترونية بلغت 200 دولار سنوياً، كما بلغت الخسائر الشخصية مثل بيانات بطاقات الائتمان 150 مليار دولار». ووفقاً لما جاء في التقرير فقد تعرض حوالى أربعين مليون شخص في الولاياتالمتحدة لسرقة بياناتهم الشخصية على أيدي متسللين، بينما أثرت الثغرات في برامج الحماية على 54 مليون شخص في تركيا و16 مليوناً في المانيا، واكثر من 20 مليوناً في الصين». ووفق رئيس وحدة مكافحة جرائم الإرهاب في المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة في ألمانيا ماركوس كوتس فأ، فإن «عدد جرائم الانترنت في ألمانيا تضاعف خلال العام الماضي إذ تجاوز 82 ألفاً»، وقال إن «كلفة هذه الجرائم تجاوزت 51 مليون يورو»، وأشار إلى أن «وصول هذه الجرائم إلى الملايين تسبب بخسائر قيمتها نحو 22.4 بليون يورو». الفدية وقرصنة الإنتاج التلفزيوني ارتفع منسوب هجمات الفدية خلال الأعوام الأخيرة، فقد كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي) حصول 2500 هجمة عام 2015 بلغت خسائرها نحو 1.6 مليون دولار تكبدها أفراد ومؤسسات. ويعود هذا الارتفاع إلى سهولة القيام بهجمات الفدية التي تعود فكرتها إلى عام 1989 ولكنها تطورت بفعل ظهور بعض الخدمات الجديدة مثل العملة الرقمية «بتكوين» التي تعتمد على مبادئ التشفير في كثير من جوانبها لتوفر مقداراً عالياً من السرية، لأن الشرطة تجد صعوبة في تعقبها. نجح قرصان يطلق على نفسه اسم «ذي دارك اوفرلورد» في سرقة محتويات الموسم الجديد من مسلسل قناة «نتفليكس» التلفزيونية الجديد «البرتقالي هو الأسود الجديد» وطالب بسداد فدية بالمقابل، ولكن الشركة رفضت الدفع، ما دفع القرصان إلى بث المسلسل على موقع «بايرت باي» للأفلام المسروقة التي يستطيع أي شخص الحصول على ما يريده من أفلام ومسلسلات منها إذا كان يمتلك برنامج التحميل المناسب. وقال المحلل ليونيد بيرشيدسكي إنه «من غير المرجح أن تمتنع الشركات الأخرى التي يهددها القراصنة مثل «فوكس» و «ناشونال جيوغرافيك» أو «شبكة ايه بي سي» عن دفع الفدية كما فعلت نتفليكس». وتقوم هجمات الفدية على مبدأ اختراق حاسوب المستهدف ثم تشفير بياناته قبل مطالبته بمبلغ مقابل إعادة فك تشفيرها وتمكينه منها مرة أخرى. ويقول مدير مكافحة القرصنة لدى شركة «أدوبي» ريتشارد اتكينسون: «على مدى 15 عاماً فشلت كل برامج مكافحة القرصنة التي نستخدمها، ولتحقيق النجاح ارتأينا أن نحدث تغييرات جذرية من زواية المشكلات التجارية، وليس التقنية». وكشف تقرير التهديدات الأمنية للربع الأخير من عام 2017 الذي أصدرته شركة «انتل سكيوريتي» عن زيادة نسبتها 26 في المئة في برمجيات الفدية الخبيثة «رانسوم وير»، و72 في المئة في البرمجيات الخبيثة التي استهدفت الهواتف الذكية، كما سجل ظهور 42 مليون عينة جديدة من البرمجيات الخبيثة والضارة. أرباح ببلايين الدولارات مع تزايد أعداد البرامج الضارة والجراثيم الخبيثة ووصولها الى أكثر من مئة مليون وارتفاع خسائرها الى بلايين الدولارات سنوياً، سارعت المفوضية الأوروبية الى إنشاء المركز الأوروبي لمكافحة جرائم الانترنت واختارت لاهاي الهولندية مقراً له، وذلك لاستكمال تنفيذ فكرة إنشاء مركز عالمي لمكافحة جرائم الانترنت تديره الشرطة الدولية (الانتربول) في سنغافورة. وتتركز مهمات المركز الأوروبي وفق ما ذكرته المفوضة الأوروبية المكلفة بشؤون الأمن والمعلوماتية سيسيليا مالمستروم، على «مكافحة جرائم الانترنت والدفاع عن وجود شبكة انترنت مجانية ومفتوحة وآمنة». وقال مدير المركز ترولس اورتينغ إن «المركز سيسهر على جمع البيانات المتعلقة بالجريمة الالكترونية ومعالجتها وتقديمها للوحدات المختصة بتطبيق القانون»، كما «سيزود الدول المعنية معلومات ويقدم لها دعماً من أجل بناء قدرة نوعية على مكافحة الجريمة عبر الانترنت». تنفق حكومات الدول والشركات والمؤسسات الدولية والاقليمية الكبرى أموالاً باهظة سنوياً للتصدي للجرائم الالكترونية وخفض مستويات الخسائر التي تتكبدها، وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة «بيار أوديون للاستشارات» وتضمنت توقعات 200 من صناع القرار أن 39 في المئة من الموازنات الخاصة لأمن المعلومات ستُنفَق على تقنيات الكشف والاستجابة في الأعوالم المقبلة. وفي السياق، توقعت مؤسسة «غارتنر» للأمن الالكتروني انه بحلول العام 2020 سيتم تخصيص 60 في المئة من موازنات المعلومات لتقنيات الكشف والاستجابة. وتقدر مؤسسة «فروست أند سوليفان» ان يصل الإنفاق على أمن الشبكات في دول مجلس التعاون الخليجي الى اكثر من بليون دولار بحلول العام 2018. وأورد تقرير أعدته شركة «تريند مايكرو» للحماية الالكترونية «أن مجرمي الانترنت يستغلون أخبار المشاهير كمادة دسمة لجذب ضحاياهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بهدف اختراق حواسيبهم الشخصية، أو شبكات المؤسسة للوصول الى المعلومات السرية». وفي هذا الشأن، أورد كمثال «مشاركة كثيرين من مستخدمي موقع بنتيرست للتواصل الاجتماعي بإعادة نشر علامة ستاربكس طمعاً بالحصول على بطاقات هدايا من المقهى الشهير كما وعد الإعلان الذي تبين لاحقاً انه مزيف واستخدم لنشر فيروسات على حواسيب المستخدمين». ووفقاً للمدير التقني لمنطقة الشرق الأوسط وافريقيا في الشركة يريند مايكرو فإن «الجرائم الالكترونية تمثل قطاعاً يدر أرباحاً ببلايين الدولارات، اذ يملك المتخصصون فيه الموارد التي تمكنهم من تطوير هجمات اكثر تعقيداً».