«المجد عوفي إذا عوفيت والكرم وزال عنك إلى أعدائك الألم» مثل كل مواطن تابعت بحزن تلك اللحظات التي تم الإعلان فيها عن رحلة خادم الحرمين الشريفين للعلاج بالولايات المتحدة؛ كانت لحظات مؤثرة في قلب كل مواطن، وزاد من دلالة تأثيرها تلك الشفافية التي تم الإعلان فيها عن طبيعة الرحلة وما يتخللها من إجراء العملية الجراحية التي سيخضع لها خادم الحرمين الشريفين، وكذلك الإعلان عن العملية الجراحية الثانية التي أجريت له قبل أيام وكُللت بالنجاح، كان ذلك أيضاً من دواعي الشفافية التي يتم من خلالها تمكين عامة المواطنين من معرفة صحة مليكهم، كما يقتضي ذلك تطمينهم على صحته بعد نجاح العملية الجراحية. المرض قدر يبتلي به الله من يشاء، لا سيما المؤمن ليختبر إيمانه وقوة تحمله، وليطهره من الذنوب، ولهذا فإن التعامل معه بهذه الشفافية من الدولة إنما هو دليل على نية خادم الحرمين الشريفين الصادقة مع أبنائه وإخوانه من المواطنين، ففي حالات كثيرة تتكشف معاني الحب والإخلاص والوفاء والصدق أضعاف أضعاف ما هي عليه عند ما يصاب من نحبهم بالمرض لا سمح الله، وإذ يشاء الله تعالى ذلك فإن فيه حكمة عظيمة ودرساً بليغاً. ليس مرض المليك كمرض الآخرين، ولذلك فإن من طبيعة تلك الحال أن تجعل الدعاء له بالشفاء والعافية أكثر حاجة من طرف المواطنين، ذلك أن صلة المواطنين بخادم الحرمين الشريفين ليست مجرد صلة حاكم بمحكوم، بل هي أكثر من ذلك بكثير، فمنذ أن قرر الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يخدم بلاده ومواطنيه كواحد منهم، وحين أذاع ذلك على الناس زاده حباً في قلوبهم، ولهذا فإن ما شهدته هذه السنوات الخمس، التي نعمت المملكة خلالها برعاية حكمه الرشيد، من مشاريع عملاقة واستحقاقات كبيرة في مختلف جوانب الحياة، يدل دلالة واضحة على أن ثمرة تلك الاستحقاقات هي صدق نيته العظيمة في خدمة شعبه كواحد منهم، ومنذ أن ترسمت مملكتنا خطى الحوار الوطني للتأمل في القضايا الوطنية والاجتماعية والدينية التي لا يمكن حلها إلا بالحوار، كان لفضل ذلك أثر مبارك امتد إلى حوارات أخرى وتجاوز حدود المملكة إلى خارجها مثل «حوار الأديان، والحوار العالمي». إنها جهود مباركة وخطى حثيثة تسندها نية صادقة وعزم جاد من خادم الحرمين الشريفين لتجديد واستمرار هذه النهضة الوطنية العملاقة في وطننا الغالي. وكما أن الحياة تتفتح باستمرار على وعود جديدة وأحداث جديدة، فإن في شفاء الملك عبدالله وعداً جديداً بمواصلة السيرة ومراكمة العمل، وتجديد العهد في مسار قاصد إلى وجهته المباركة. لقد ظلت إستراتيجية خادم الحرمين الشريفين للوطن والمواطن هي الهدف في كل تلك الاستحقاقات والبرامج، وستظل كذلك هي الثابت والأساس في مختلف النواحي الأخرى، مثل التعليم والعمل والحقوق والقضاء. المرض عارض بإذن الله وهو بمثابة استراحة لمواصلة العمل واستكمال المشاريع بحب وجهد وإخلاص وعطاء لا ينضب في حب هذا الوطن، وعلى رغم وضع النقاهة الذي يمر به خادم الحرمين الشريفين، إلا أنه ظل مع ذلك متابعاً لمجريات الأحداث والوقائع التي تجري في المنطقة وما يتصل بها من مؤتمرات ولقاءات، وفي البرقية التي أرسلها الملك عبدالله إلى إخوانه ملوك وأمراء الخليج بمناسبة انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي في «أبو ظبي» قبل أسابيع، التي نشرتها بعض الصحف العربية، نجد حرصاً واضحاً من الملك على رغبته في مشاركة إخوانه هموم وقضايا وسبل تطوير وحماية هذه المنطقة، إذ يقول موجهاً حديثه في البرقية إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي «إنكم وأنتم تجتمعون اليوم إن شاء الله إلى ما فيه الخير لدول وشعوب منطقة الخليج وقد غاب عن أخيكم أكرم لقاء وأجل أمانة تجاه شعوبنا، إلا أنها في نفسي ماثلة تستمد وجودها من ديننا وعروبتنا ومصالح شعوبنا العربية والإسلامية، أيها الإخوة إننا وإن كنا نتطلع جميعاً لتحقيق غايات وأهداف شعوبنا فإني وإن غيّب وجودي بينكم عارض صحي إلا أنني حاضر معكم روحاً، مشاركاً معكم آمال وأهداف مسؤولياتنا التاريخية، راجياً من الله العلي القدير أن يوفقكم في مسعاكم وأن يعينكم جل جلاله بعون من عنده...»، هكذا بمثل هذه الكلمات الطيبات تنعكس المسؤولية حيال شعب المملكة العربية السعودية وشعوب الخليج، ويعبر الملك فيها عن نيته الصادقة في أكرم لقاء لولا العارض الصحي الذي ألم به، تكشف لنا هذه البرقية العميقة في معناها ما اشتمل عليه من حب وصدق ومشاعر طيبة لا يشغله عنها المرض، ولا يصرفه عنها عارض لاستشعاره ثقل كلمة الأمانة التي ذكرها في البرقية، إن الإحساس بثقل الأمانة لهو أعمق تعبير عن المسؤولية التاريخية التي أناط الملك بها نفسه كأحد أبناء هذا الشعب الكريم من أجل خدمة شعبه وأمته العربية والإسلامية، إن أهم ما تحتاجه أمة من الأمم وشعب من الشعوب هو تلك الثقة الكبيرة والحساسية العالية تجاه حقوقها من قيادتها، لتتمكن بذلك من التقدم في ميادين الإبداع والانجاز والتنمية، وإذ شفى الله مليكنا وقائدنا؛ فإن ذلك من فضله ومنه وكرمه سبحانه وتعالى، ذلك أن ثقة الملك في ربه وإيمانه به هو ما يسر له أمر العلاج وحفظه من كل مكروه، سائلين المولى عز وجل أن يتفضل عليه ويزيده من ثوب العافية، وأن يصرف عنه كل مكروه. فراج العقلا - الرياض مستشار قانوني [email protected]