عبدالله الغذامي صاحب رؤى مستفزة، فقد انتقد المتنبئ ونزار قباني وأدونيس! وفي نفس الوقت أشاد برواية لكاتبة مبتدئة ولمجموعة أعمال لأحد المشاهير، ويعلم المهتمون أن موقفه من أي عمل فني - سلباً أو إيجاباً- يتحدد بناءً على موقفه الشخصي من كاتب العمل ما يعني أن لديه مشكلة حقيقية في «المنهجية العلمية»، ولذا جاءت محاضرته الأخيرة بجامعة الملك سعود متوائمة تماماً مع هذا النهج. وقبل أن أدخل في صلب الموضوع أود أن أشير إلى خطورة ما قام به المسؤول عن برنامج «تواصل» في كلية الآداب بجامعة الملك سعود عبدالعزيز الزهراني عندما حول المسرح الثقافي بأعرق جامعاتنا الوطنية إلى «ساحة» لتصفية الحسابات الشخصية بين الغذامي وبعض خصومه، وكانت الجامعة قبل ذلك استضافت ندوة عن السحر، كما استضافت أحد «الدعاة» الموقوفين عن التدريس في جامعة أخرى، وهذا يتعارض تماماً مع النهج الذي تسلكه الجامعة التي قررت نفض الغبار وأصبحت حديث المجتمع لكثرة نشاطاتها على كل الصعد، ولا يراودني شك في أن مدير الجامعة الدكتور عبدالله العثمان- وهو زميل وصديق عزيز- لا يرضى بمثل هذا، خصوصاً وهو يسير بجامعتنا- بخطى حثيثة- نحو العالمية، ولا يليق- والحالة هذه - أن يخضع النشاط الثقافي فيها لسيطرة «تيار حركي مؤدلج» يستغل منبر الجامعة لفرض رؤية تفرق ولا تجمع وتثير الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، إذ يؤكد كثيرون أن الزهراني اتفق مع الغذامي ومجموعة أخرى من الحضور على كل عناصر المحاضرة التي كان الهدف منها فرض رؤية ذلك التيار فيما يخص الحراك الاجتماعي، وإقصاء كل التيارات المختلفة. الغذامي أجاد الدور المناط به تماماً، فقد قال ما يريدون وأكثر في محاضرة يجمع الكل أنها افتقدت للمنهج العلمي، إذ كانت عبارة عن هجوم من المحاضر على «الليبرالية»، كردة فعل شخصية على هجوم تعرض له قبل مدة من أشخاص يكتبون بأسماء مستعارة في «منتدى انترنت ليبرالي»! وهذا ما أكده هو بنفسه مراراً وتكراراً، وقد كان مقدم المحاضرة - وهو منظمها - طرباً لدرجة أن الحاضرين كانوا يتوقعون أن يردد: «بالروح بالدم» في أي لحظة، وهو لو فعل لربما أطرب المحاضر الذي يعترف بنفسه أنه «انفعالي» ولا يملك نفسه عند الغضب أو الفرح. هذه الأجواء المشحونة جعلت أحد أبرز رموز «الصحوة المسيسين» يتداخل مع الغذامي مندداً بشخصيات «ليبرالية» لا وجود لها إلا في مخيلته المريضة، وقد أسرف في وصفه لهم بلغة بذيئة لم يكن لائقاً أن تقال في مجلس خاص، ناهيك عن حرم إحدى أرقى جامعاتنا. الغريب أن إحدى أرقى المداخلات جاءت من الدكتور علي آل شريدة الذي تحدث بلغة علمية رصينة وتساءل عن افتقاد المحاضرة للمنهج العلمي، فما كان من الغذامي إلا أن قال – بانفعال -: «هذا.. لا فكر!»، اذاً الغذامي يرى أن هذه المداخلة الرصينة ليست فكراً، فالفكر كله كان في مداخلة «نصف المرأة السفلي» التي قالها «الصحوي المسيس»! وما يبعث على السخرية هو أن الغذامي قال – لاحقاً- في برنامج تلفزيوني: «إنني بنيت محاضرتي على ما هو متاح، والمتاح الوحيد هو ما يقوله الليبراليون في منتداهم»، ويا للمأساة إذا كان هذا هو منهجك العلمي – يا الغذامي - إذ كيف حكمت على من يكتبون بأسماء مستعارة في منتدى ليبرالي بأنهم ليبراليون؟ فهل حقاً لا تعلم أنهم يمثلون فئات فكرية مختلفة ويتعاركون فيما بينهم بسبب ذلك، وقد يكون من هاجمك في هذا المنتدى الليبرالي «سلفياً»، أليس كذلك؟ وبناء على منهجك العلمي –غير المسبوق- فإن من يكتبون في منتدى المرأة كلهم نساء! والذين يكتبون في منتدى الفن كلهم فنانون! والذين يكتبون في منتدى الإلحاد كلهم ملحدون، وإن هذه لكبيرة منك لو كنت تعلم، لذا لم نستغرب عندما رأيناك - في ذلك اللقاء التلفزيوني - وقد أصبحت أداة طيعة بيد مقدم البرنامج وزمرته خارج الأستوديو، فقد أمنت على ما قالوا كما فعلت تماماً في الحرم الجامعي، وكان صادماً لي أن أسمع أحدهم يثني عليك ويرمي مواطنيك بشتى التهم الشنيعة -بلغة رديئة- وأنت تؤمن على ما يقول، وإذا كنت فخورا بهذا الحلف الجديد، فهنيئا لك به، مع أن بودنا أن لا تتوالى سقطاتك، فهذا التحالف الجديد جاء بعيد «فضيحة جائزة زايد للكتاب» التي بصمت فيها على فوز كتاب- تمت سرقة أجزاء منه - من أحد كتبك! ما يعني انك لم تقرأ الكتاب! وبدلاً من أن تنسحب بشرف - وتعترف بهذا الخطأ العلمي الشنيع والتقصير من جانبك - نراك حورت الأمر إلى مسرحية أنت بطلها كما هي عادتك دوماً في المكابرة وتضخيم الذات. وأخيراً: أنت تقول إنك مفكر حرّ، والمفكر الحر يقول رأيه في ما يدور من أحداث، فهل كان لك رأي – طوال حياتك - في أي من الأحداث الجسام التي مرت بالوطن؟ سأعفيك لان الجواب: لا، إذاً أنت تفكر بماذا؟ والجواب – مرة أخرى- أنك تفكر كيف تفتعل حدثاً – مهما كان غير مهم- يجعلك تحت الأضواء أطول مدة ممكنة، أليس كذلك؟ وختاما: عندما أقرأ وأسمع لمفكر من الوزن الثقيل مثل نعوم تشومسكي فإنني أشعر بالأسى للمستوى الفكرى المتدني الذي وصل إليه مثقفونا، كما أنني أحسد المفكر أدونيس – المرشح الدائم لجائزة نوبل للآداب - على قوة حدسه، فقد وصف الغذامي وصفاً دقيقاً قبل مدة طويلة من تحالف الأخير مع «الحركيين»! * كاتب سعودي. [email protected]