تحمل الكاتبة النمسوية إيلفريد يلينك بأسلوب نقدي لاذع على الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عملها المسرحي الجديد، لتكون أول من يخصص عملاً مسرحياً كاملاً لهجاء ترامب وسياساته. اختارت الكاتبة الحائزة جائزة نوبل للآداب عام 2004، عنواناً يحمل معنيين لمسرحيتها «على الطريق الملكي: البرغر كينغ»، وهي لا تقصد أن ترامب هو ملك البرغر واللحوم والسلاسل التجارية الجشعة فقط، بل وأيضاً «المواطن» وهي الكلمة التي تعنيها (Burgher) باللغة الألمانية. واللافت أنها اختارت مسرح جامعة نيويورك، مسقط رأس ترامب، لتعرض مسرحيتها هناك للمرة الأولى قبل ان تقدمها في الموسم القبل باللغة الألمانية في برلين. بسطر واحد تحدد يلينك مسار مسرحيتها «نحن جميعاً نرفضه. السلطان يعرف ذلك، لكنه لا يريد التصديق». ترد هذه الجملة على لسان البطلة المنفردة في العمل، «الآنسة بيغي»، الدمية الأميركية الشهيرة التي تعتبر رمزاً محبباً من رموز ثقافة البوب الأميركية، لكنّ الكاتبة قدمتها هنا في شكل مختلف تماماً، فهي عمياء تتدفق الدماء من عينيها مأسوياً بينما تتحدث عن هول سياسات ترامب وقراراته. تتنقل «الآنسة بيغي»، التي تقوم بأداء صوتها الممثلة المحترفة ماشا داكيك، بين مواضيع كثيرة تحمل انتقادات ورسائل سياسية مختلفة، كما تتقمص شخصيات مختلفة لتتحدث بلسان حالها عما حل بها بسبب ترامب. في إحدى المحطات تتحدث بصفتها لاجئة أو مهاجرة فتقول: «نحن أميركيون... لكننا لم نعد كذلك»، وفي مكان آخر تتحول إلى مواطنة أميركية مستاءة «الملك هو من يُلام على زوال المدينة. الملك مذنب، بتنا نعرف ذلك. لذلك، نحن الآن نتحمل المسؤولية». هذا الحكم الذي تطلقه يتقاطع تماماً مع ما يشعر به الكثير من الألمان والنمسويين ممن دعموا هتلر في بدايته. ويبدو أن يلينك تطبق الحكم نفسه على مؤيدي ترامب، إن لم يكن على الأميركيين جميعاً. في مكان آخر، تتحدث بيغي عن أن كل من صوّت لترامب «أمعن في الإهانة». أثناء تذمرها من سياسات ترامب، تقارنه بشخصيات كثيرة مثل هتلر، أوديب، والفيلسوف الألماني مارتن هايدغر الذي يلومه كثيرون على انتمائه للنازية. بالانتقال بين الشخصيات تلامس يلينك مواضيع متباعدة شتى كمناقشة أفكار من علم النفس الفرويدي، فقاعة الإسكان الأميركية، تسلط البنوك الكبيرة، من دون أن توفّر فرصة لإظهار ترامب العاجز، من دون أن تنسى التلميح إلى النمسا وجرائم ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وهي إحدى الثيمات الرئيسة في معظم كتابات الروائية السبعينية. من أجل تقديم العرض في نيويورك، تعاونت يلينك مع فريق عمل متكامل بينهم المخرج ستيفان دويباروسكي الذي يشاركها آراءها حول ضرورة تضمين العمل الفني رسائل نقدية سياسية، بحيث أكد: «إن أحد الواجبات التي أشعر بها كفنان هو ضرورة وضع الإصبع عميقاً داخل الجرح، ومن ثم الضغط بشدة، حتى ينزف بشدة، حينها ستخرج كل الأشياء القبيحة التي يتوجب خروجها ويصار إلى تطهير الجسم». وكان دويباروسكي ومترجم المسرحية إلى الإنكليزية جيلتا هونيغر، قد أجابا عن أسئلة الجمهور عقب العرض. وقال هونيغر، رداً على سؤال حول مقارنة ترامب بهتلر: «نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وسمعت الكثير من القصص عن ذاك الرجل (هتلر)، لا أريد إجراء مقارنة للمقارنة، ولكن لا يمكن المثقفين إلا أن يتساءلوا مرة جديدة في حالة ترامب: مع مثل هذا الدماغ وهذا السلوك وكل هذا الفراغ بداخله كيف يمكن له أن يكون رئيساً؟!». تجدر الإشارة إلى أن يلينك لم تأت الى نيويورك لحضور العرض الأول بل اكتفت بمشاهدته مباشرة عبر الانترنت. وهي تعاني من «اضطراب القلق الحاد» وهو صنف من أصناف الاضطراب النفسي الذي يؤدي إلى الإحساس بالقلق والخوف الدائم، لذلك هي لا تخرج كثيراً بل تفضل قضاء وقتها في منزلها في فيينا. ولدت يلينك عام 1946، لأم تعاني حب السيطرة ووالد مصاب باعتلالات عصبية، وكان عليها أن تتعامل مع مشكلاتها النفسية الخاصة التي رافقتها منذ شبابها. تقول صاحبة «مدرس البيانو»، إنها بدأت بالكتابة للهروب من سلوك والدتها المهيمن فوجدت في كتاباتها فسحة للانتقاد والتحدث بحرية. لطالما كانت كتاباتها مثيرة للجدل، لا سيما وأنها هاجمت باستمرار الجناح اليميني المتشدد في بلادها ودافعت عن اللاجئين والتعددية الثقافية وحقوق المرأة والحريات العامة. وقد تعرضت يلينك، وهي يسارية وعضو في الحزب الشيوعي، لهجمات إعلامية وتهديدات بالقتل وانتقادات مستمرة من الصحافة الرسمية، حتى أن بعض الحملات دعت إلى مقاطعة أعمالها المسرحية كونها تعالج بشكل دائم قضايا اجتماعية حساسة، والماضي النازي في النمسا وعلل السياسة الحالية. وقد تسببت انتقاداتها للحكومة النمسوية في اتهامها بالخيانة من المؤسسة السياسية. وفي نيسان (أبريل) الماضي، داهم عدد من النازيين الجدد إحدى مسرحياتها، وقاموا برش الجماهير بالدم وهم يهتفون بأن «التعددية الثقافية تقتل». لا شك في أن يلينك أقل شهرة خارج الدول الناطقة بالألمانية، على الرغم من أن بعض أعمالها ترجمت إلى الإنكليزية والفرنسية والسويدية، لا سيما رواياتها الشهيرة «مدرس البيانو»، «الأوقات الرائعة»، و «رغبة». عندما تردد خبر فوزها بجائزة نوبل للآداب عام 2004، فوجئت دار نشرها في برلين، وهي رفضت حضور حفلة توزيع الجوائز في ستوكهولم، قائلةً إنها «ليست في صحة نفسية تسمح لها بتحمل مثل هذه الاحتفالات».