على غرار نبرة باتت متكرّرة في دول كثيرة غرباً وشرقاً، تتبنى فيتنام الاتجاه إلى التشدّد في القوانين المتعلقّة بالمعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة. ووفق تحقيق مطوّل أجرته مجلة «وايرد» العلميّة الأميركيّة، تتجه فيتنام إلى تبني سياسة متشابكة تجمع في خيوطها مزيجاً متنافراً من الانفتاح على المعلوماتية من جهة، مع زيادة التشدّد في القوانين التي تنظم عمل شركاتها ومستثمريها والناشطين فيها من الجهة الأخرى. ووفق «وايرد»، يعتمد رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا الرقميّة في فيتنام مقاربة ترتكز على النمو بسرعة فائقة مع الحرص على التوافق مع القوانين المحليّة الفيتناميّة التي غالباً ما تتضمّن مساحات «رمادية» واسعة يهيمن عليها الالتباس وعدم الوضوح. وفي ظل انخراط حكومة فيتنام بإصلاح سياسات تكنولوجيا المعلومات، تزداد خطورة المنافسة وحدّتها. كما تسنّ قوانين تتزايد باستمرار، عن كيفية إدارة الأعمال التقنيّة (بما فيها صناعة المحتوى)، بل أنها تتشدّد حتى بالنسبة للتحصيل الأكاديمي الذي ينبغي أن يمتلكه من يريد الانخراط في ذلك النوع من الأعمال. في المقابل، لا يتردّد بعض المستثمرين في الإعراب عن خشيتهم من أن يؤدّي التشدّد المتزايد في القوانين الفيتناميّة، إلى تراجع الابتكار والاستثمار في ذلك القطاع المزدهر. أولويّة العلم في السياق عينه، اشترطت السلطات الفيتناميّة الرسميّة على من يريد تأسيس شركات تتعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخباريّة، أن يكون حاصلاً على شهادات جامعية، وتراخيص مختصة تبرهن قدرته على حفظ البيانات لفترة لا تقل عن عامين. في حين ينظم قانون آخر، خدمات النصوص والكلام المتوافرة عبر الإنترنت، عبر إجبار مزوّدي ألعاب الإنترنت على توقيع عقود مع شركات اتصالات فيتناميّة. كذلك تفرض قوانين فيتنام على بعض مزودي ألعاب الإنترنت حيازة أنظمة دفع داخل فيتنام، وفق تقارير مكتب «تيلكي آند جيبنس» المختص في الاستشارات القانونيّة. كذلك تفرض فيتنام على شركات التكنولوجيا الأجنبيّة تعيين ممثلين لها في البلاد. كما أعرب «ائتلاف إنترنت آسيا» Asia Internet Coaliation عن قلقه من التأثيرات المحتملة للقوانين الفيتنامية. ويمثّل ذلك الائتلاف شركات «غوغل» و «آبل» و «فايسبوك» و «ياهو» و «إي باي» و «لينكد إن» و «سيلز فورس. كوم»، في المسائل المرتبطة بسياسات المعلوماتيّة والاتصالات في آسيا والمحيط الهادئ. وحتى عندما كانت تلك القوانين موضع نقاش، حدث إغلاق مفاجئ لموقع التواصل الاجتماعي الفيتنامي الواسع الانتشار «هايفل دوت كوم» على خلفية نشره محتوى اعتبرته السلطة الفيتنامية أنه يسيء إلى شخصية تاريخيّة. وحينها، زعم بعض مستخدمي الموقع أن تلك الشخصية كانت مؤسّس فيتنام الرئيس هو تشي منه. في السياق عينه، سبق لحكومة فيتنام أن اعتقلت عدداً كبيراً من المُدوّنين الإلكترونيّين. كذلك يمنع القانون الفيتنامي تأسيس شركات إخباريّة خاصة، كما يشير خبراء صناعة الإعلام إلى أن المسؤولين الفيتناميّين يغلقون مواقع التواصل الاجتماعي لأنها تشتغل خارج سيطرة الدولة، ولو بصورة نسبيّة. وفي عام 2013، أصدرت الحكومة قانوناً، بدا كأنه يفرض قيوداً غير مسبوقة على التخاطب عبر الإنترنت، ما أغضب مجموعات حقوق الإنسان وسفارة الولاياتالمتحدة التي حذّرت من أن تلك القيود تنتهك التزامات فيتنام بحقوق الإنسان الدوليّة، بل تعيق الابتكار والاستثمار. وسرعان ما خمد النقاش عن ذلك القانون، من دون تحقيق نتائج إيجابيّة. وفي مطلع 2015، أوردت صحيفة «تانه نين» الفيتناميّة الرسميّة أنه يستحيل على الحكومة الفيتنامية إغلاق موقع «فايسبوك» ومواقع وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى. وعلى رغم ذلك، يستمر الضغط الحكومي على «فايسبوك» من دون أن تعلن الحكومة مسؤوليتها عنه. وأعربت مجموعة كبيرة من المدراء التنفيذيين في شركات التكنولوجيا الرقميّة، عن قناعتها بأن الحكومة تحاول أيضاً حماية المصالح الاقتصاديّة للشركات المملوكة من الجيش والدولة. إذ تسيطر تلك الشركات على قطاع الاتصالات، ما يعني أن أعمالها التي تصل قيمتها إلى بليونات الدولارات، ربما تعرضت للأخطار بسبب نمو تقنيّة المعلومات خارج سيطرة الدولة. وفي خريف 2016، نقلت محطة إخبارية فيتنامية رسميّة أن ما يزيد على قرابة 26 مليون فيتنامي، أو ما يقارب ثلث السكان، يستخدمون تطبيقات الاتصال عبر الإنترنت في الهواتف الذكيّة، على غرار «فايبر» و «لاين» و «بيب»، مع الإشارة إلى أن المنافس الفيتنامي لها يتمثّل في شركة «زالو» التي تقدّم خدمات الرسائل النصيّة والمكالمات الدوليّة، مع تجنيب الجمهور الرسوم المرتفعة التي تفرضها الوسائط التقليديّة لتلك الخدمات الاتصاليّة.