المجتمع السعودي يشهد تحولات كبيرة على مدى العقود الماضية، ومازالت هناك أصوات ترى أنه كان بالإمكان أحسن مما كان، الدكتور عبدالله الفوزان في مشواره في الحياة يكون في مرمى المشايخ، إما تعليماً أو أمنيات أو انتقادات، كانت والدته تتمنى أنه لو كان شيخاً وهو يتمنى لو أن المؤسسة الدينية تصبح أكثر عصرنة وتواكب المتغيرات حولها بلغة الحاضر لنتمكن مع رسم ملامح المستقبل.. عمل لفترة طويلة في تعليم البنات وكانت له انتقاداته على برامج الدراسات العليا وكان يحاول صنع شيء.. وحين سقط في يده ووجد أن الأمور أكبر من طاقته آثر التقاعد والتفرغ للكتابة الصحافية، ومع قلمه كانت الصولات والجولات..الدكتور الفوزان يرى أن وزارتي المالية والتخطيط ساهمتا بدور كبير في عدم الاستفادة من الرخاء في الموازنات وعدم قراءة المشاريع التنموية بطريقة صحيحة، بل وفي تفويت كثير من الفرص التي قد نندم عليها مستقبلاً.. يدعو للتفكير في أمر الجيل القادم ومنحهم الأرضية التي تكفل لهم الحياة السهلة من دون أن نزج بهم في أتون لا مخرج لهم منه..! وحول التيارات والصراعات في مجتمعنا يرى الفوزان أن أكبر متضرر من العملية كلها هي المرأة السعودية التي مازالت «مشروع فتنة» تعطل لأجله كل سبل رفعتها ونيلها لحقوقها... فإلى تفاصيل الحوار: كانت أمنية والدتك أن تكون شيخاً.. ترى لو كنت شيخاً كيف تتعامل مع عبدالله الفوزان الكاتب..؟ - نعم... كانت والدتي- رحمها الله- بعد أن تفرغ من الصلاة والسنن تنظر لي بحنان وأنا بجانبها أذاكر على ضوء السراج الزيتي في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية، وترفع كفيها وتدعو وتقول: (إن شاء الله تكون شيخ... إن شاء الله تكون شيخ)... ولكن لم تستهوني المشيخة وأنا على مفترق الطرق في المرحلة الثانوية فسلكت طريقاً آخر... هذا صحيح... أما سؤالك فهو افتراضي... والذين يطرحون الأسئلة الافتراضية عادة ينطلقون في سؤالهم من إجابة افتراضية موجودة في أذهانهم مسبقاً... وإذا صدق ظني فكذلك إجابتك الافتراضية غير صحيحة. في فترة مراهقتك.. هل عشت الصراع الفكري كما يجب..؟ - ميولي نحو العقلانية والتدبر (كما حض القرآن الكريم) كان مميزاً في مراهقتي وحتى الآن، كان الذي يشدني ولا يزال هو تلك القيم والمثل الكبرى المميزة في الدين الإسلامي والحضارة الإنسانية الحديثة كالعدل والحرية والمساواة، وكنت لهذا مؤيداً للانفتاح ولاقتصاد السوق والحرية الاقتصادية ولم أتأثر عاطفياً بشعارات الناصرية والقومية العربية والشيوعية ونبذت الوصاية، والذي استطيع قوله إني قد عايشت ذلك الصراع الفكري القوي آنذاك، واخترت منذ البداية ما يتوافق مع قناعاتي. الجغرافيا ومجتمعنا المحافظ الجغرافيا .. ما مدى أثرها في المكِّون الفكري عندنا؟ - السياسة (السلطة) هي المؤثر الأول في المكِّون الفكري لأي جغرافيا.. عندنا وعند غيرنا ممن لا يفصلون الدين عن السياسة، وكذلك بالنسبة لنا رأينا ونرى هذا التقارب الفكري بين المناطق الجغرافية بعد أن كانت الفوارق ملحوظة. مَنْ المتضرر الأكبر من مفهوم المجتمع السعودي المحافظ؟ - إذا كنت تقصد السؤال عن المتضرر الأكبر من منهج المحافظة الدينية والاجتماعية التي أخذ بها المجتمع السعودي، فالإجابة لابد أن تكون المرأة.. فهي المتضرر الأكبر، ولا شك أن المجتمع برمته متضرر من هذه المحافظة، لكن المرأة هي الضحية التي تدفع الثمن الباهظ. الشخصية السعودية هل تجد لها ملامح واضحة أم أنها في تغيُّر مستمر؟ - نعم لها ملامح.. لكن تلك الملامح تتغير الآن أو على الأصح تتغير بشكل سريع، تماماً مثل ملامح وجه إنسان بين الطفولة والشيخوخة يعرضه شريط تلفزيوني خلال دقائق عدة.. فرق هائل بين طفولة أبي وطفولتي، وبين طفولتي وطفولة أبنائي.. أما الأحفاد فلا أدري ماذا سيحصل لهم وهم يصعدون السماء بصاروخ البترول حين ينتهي الوقود بعد خمسين أو حتى سبعين عاماً.. بصراحة ظللت أنتف شعر رأسي كلما تصورت ماذا يمكن أن يحصل حتى لم يبق به شعر يمكن أن ينتف. لماذا أحكامنا قاسية على خيارات الآخرين؟ - لأننا نعتبر أنفسنا (أنصاف آلهة)؛ فلا يوجد في العالم مجتمع رشيد إلا نحن.. فنحن على الحق وغيرنا على الضلال.. ولأنه بسبب (رشدنا) العظيم لا أحد يماثلنا، فمن المنطقي أن لا نجد مَنْ يتفق معنا.. والنتيجة معروفة. كيف نتخلّص من الوصاية على المجتمعات والتسلط على خيارات الأفراد؟ - نتخلص بتفعيل قيم ومثل الإسلام العظيمة.. العدالة والمساواة والحرية.. ووقف الدعم عن اليد الدينية التي تمارس تلك الوصاية. هل تظن أن التعليم في السعودية له دور في سوء العلاقة بيننا وبين الآخرين؟ - إذا كان تطوير المقررات المدرسية ما زال يتولاه المتشددون، ويختارون النصوص ويفسرونها فمن الطبيعي والمتوقع أن يأخذ الآخرون منا موقفاً عندما يرون ذلك.. أما المؤسسة الدينية فإن أكبر عيوبها أنها ما زالت تمثلنا بذلك الوجه القديم البعيد عن مستجدات العصر وتطوراته؛ ولذلك نبدو لمختلف مجتمعات الدنيا وكأننا لا نمت لهذا العصر بصلة. أنا وتعليم البنات كيف استطعت التأقلم مع العمل في رئاسة تعليم البنات على رغم أنك لست محسوباً على التيار المتنفذ فيها؟ - أشعر الآن برضا كبير على نفسي لكوني لم ألبس قناعاً ولم أقبل بأي ازدواج في شخصيتي... لقد كنت صادقاً مع نفسي ومع الآخرين، وكان لي تأثير ملحوظ وقبول، على رغم الاختلاف في الآراء والأفكار، ما جعلني أسهم بفعالية بآرائي وأفكاري وأصل للخطوط الأولى وأنا أدفع المركبة إلى الأمام، وحين شعرت بأن إمكان مساهمتي بفعالية في المزيد من التطوير أصبحت محدودة تركت المهمة لغيري، وتفرغت لمهمات أخرى أجد نفسي قادراً على العطاء فيها أكثر. مسؤولية التخطيط لكليات البنات كانت مجال عملك.. هل كانت خططك قارئة للمستقبل أم أن الماضوية أفشلتها؟ خطط التنمية الإدارية، تهتم بالمشاريع والبنود، أي متطلبات النمو، وعندما رأيت وزير التخطيط خالد القصيبي في نهاية إحدى جلسات الحوار الوطني يوبّخ منتقدي خطة التنمية لكونهم- كما قال- ينتقدون الخطة وهم مقرروها، ويؤكد أنه ما من مدرسة تم إنجازها إلا وهي موجودة في خطة التنمية، قلت في نفسي لعل الأمور تغيرت كثيراً عن ذي قبل. فقد كنت والفريق الذي يعمل معي نكافح مجاهدين لإعداد خطط تتفق مع النمو الفعلي المتوقع للطالبات، وتوفر المتطلبات الملائمة، ولكن جهودنا تذهب هباء، إذ في الأخير تخرج خطط أخرى بملامح ضعيفة لا تتفق أبداً مع ما سيكون عليه المستقبل، ومع هذا فإن وزارة المال لا تأخذ في ما بعد أي اعتبار لتلك الخطط، وتضع هي خططاً سنوية (الموازنة) أضعف وأشد مرضاً، والنتائج لكل ذلك لا بد أن تكون مأساوية، بنود مالية هزيلة، تهتم بالطالبات الجدد، وضغوط كبيرة ليتم قبول أكبر عدد منهن. وأنا قد اتفق مع وزير التخطيط في قوله إنه لا توجد مدرسة تتم إجراءاتها إلا وهي موجودة في الخطة.. ولكن لماذا لم يقل إنه لا توجد مدرسة موجودة في الخطة إلا ويتم إحداثها... والفرق كبير بين الأمرين... وعلى أي حال فلعل ذلك الواقع المر في عهدي قد أصبح الآن أحلى وأفضل. ارتباط تعليم البنات بتيارٍ معين، هل له ما يسوغه من الناحية التنظيمية والتربوية؟ - لا أدري لماذا كثرت أسئلتك عن تعليم البنات... ومع هذا أقول إن تعليم البنات عندما أستحدث أسند للمشايخ لأسباب معروفة، واستمر كذلك إلى أن تم دمج رئاسة تعليم البنات في وزارة المعارف تحت اسم وزارة التربية والتعليم، إذ إنه حينئذ خرج من إشراف المشايخ، لكن الحاصل في ما بعد أنه ليس فقط تعليم البنات الذي أعيد إلى المشايخ بل التعليم العام كله، وأظن أن هناك جهوداً تبذل الآن لتصحيح الوضع.. أما سؤالك عن المسوغ التنظيمي والتربوي فلا يوجد ما يسوغ ما لا يسوَّغ. هل من مصلحة الوطن أدلجة تعليم البنات؟ - الإجابة عن السؤال تتوقف على مفهوم الأدلجة... فالأدلجة مثل الثقافة ومثل الديموقراطية ومثل العسل الأصلي، ومثل حديقة الفوطة في مدينة الرياض... جدار قصير كل يرفع قدمه ويقفز فوق السور ويدخل ويفهم ما شاء الله له أن يفهم... وعلى أية حال فإذا صح توقعي للمفهوم الذي قصدته فبالتأكيد ليس من مصلحة التعليم ولا غير التعليم أن يقع في أسر الأدلجة، فالنسق الجامد الذي لا يقبل النقاش ولا يتحرك ليصبح صالحاً لكل زمان ومكان هو سجن له أسوار عالية.. وحتى تكون الأمور واضحة أكثر أقول إن رحابة الإسلام لا تقبل الأيديولوجيا التي بالصيغة التي فهمتها من السؤال. لماذا كانت برامج الدراسات العليا لكليات البنات أقل مستوى من البرامج نفسها في الجامعات الأخرى، وأنت عميد للدراسات العليا فيها آنذاك؟ - السبب أن كليات البنات الجامعية كانت مثل الأرانب تتوالد بكثرة وليس لديها طعام كاف، والأسوأ أن رئاسة تعليم البنات كان لديها هي الأخرى حالات ولادة مستمرة للكليات المتوسطة، وكانت تلك الكليات عندما تبلغ الفطام بعد سنتين يتخلصون منها بعملية سموها (تطويرية) لتكون أربع سنوات، وإذا قلنا إنه لا يوجد لدينا حليب ولا طعام قالوا أعطوها من الحليب (الصناعي)، ونحاول إقناعهم بأن ذلك سيجعل كلياتهم واهنة بالغة الضعف، ولكنهم يكونون حينئذ مشغولين بحالات الولادة الجديدة. ونحن كنا يا سيدي مضطرين لإعداد كادر وطني يتولى تعليم طالبات تلك الكليات الكثيرة، ليس فقط بسبب ذلك النمو الهائل في الكليات الجديدة والطالبات الجديدات، ولكن أيضاً بسبب ندرة العثور على كوادر ملائمة في البلدان العربية، ولأن ما نعده سيكون أفضل مما نستقدم.. ثم يأتي بعد ذلك ضعف البنود المالية للكليات، وسألخص لك الحالة، فأقول إن كلفة الطالبة في كليات البنات كانت متدنية جداً إذا استبعدنا منها مكافآت الطالبات، كانت لا تزيد على عشرة آلاف ريال في حين تبلغ الكلفة في الجامعات ثلاثين ألفاً وأربعين وتصل إلى الستين ألفاً في بعض الجامعات، وهذا كان في السابق ولا أدري ما هي عليه الحال الآن. كمسؤول سابق عن التخطيط للتعليم، كيف تنظر إلى إنشاء الجامعات الجديدة، وإلى أي مدى أنت متفائل بمخرجات هذه الجامعات؟ - لأني مسؤول سابق فإن معلوماتي سابقة، ولهذا لا أستطيع إصدار حكم دقيق في ذلك، ولكن بعض الزملاء الذين هم على صلة بالأمر يقولون إن بعض كليات الجامعات تشبه كليات البنات التي كانت مثل الأرانب في التوالد من دون إمكانات كافية، والأمر الآخر اللافت للنظر أننا ظللنا سنوات وسنوات على سبع جامعات لا نجرؤ على زيادتها ولا بجامعة واحدة خوفاً على المستوى، أما بالنسبة للمخرجات فإذا كان ما يقوله الزملاء صحيحاً، فإنه يصعب التفاؤل بتلك المخرجات. رحلة الكتابة والفروسية لماذا قلمك مسكون بالوجع وحروفك تستثير الألم؟ - أعتقد أن المقالات مثل الأرغفة، فهناك أرغفة طازجة ساخنة يأكلها القارئ عندما تقدم له بشهية واستمتاع، فيهضمها بسهولة وسرعة ويستفيد منها. وهناك أرغفة باردة بائتة لا يتقبلها القارئ، بل يكرهها، ولا يأكلها إلا مضطراً، وإذا أكلها مضطراً اشمأز منها، وحتى يكون المقال طازجاً ساخناً فلا بد أن يكون مواكباً وصادقاً، ولا بد أن يكون صادراً عن فكر مستقل. ولا يشترط أن يكون الرأي صحيحاً في نظر القارئ بل المهم أن يشعر القارئ بأن الكاتب صادق يعبر عما يشعر به، ومثل ذلك فلا بد أن تكون المعلومات التي يستند إليها المقال صحيحة، إني أحاول أن تكون مقالاتي كذلك... ولا أدري ما إذا كان قلمي وحروفي كما ذكرت... ولكن إذا كنت تشعر بأن قلمي مسكون بالوجع وحروفي تستثير الألم فهذا من حقك... ولكني كتبت ليس مئات المقالات بل آلافاً، وإذا كان ما ذكرته واضحاً في مقالاتي بالنسبة لك فلا بد أن يكون في آلاف الأفكار التي طرحتها ما يجيب عن سؤالك. بين زاوية اليمامة والوطن، هل اختلف ركضك؟ وما الذي تراه في آخر النفق؟ - بل قل بين الرياض والشرق الأوسط واليمامة والجزيرة وعكاظ والوطن... لقد كتبت في الوطن مقالاً عنوانه عصافير الصحافة وبنادق رؤساء التحرير... ولم أبعثه للنشر حتى الآن... أعلل فيه تنقلي المستمر بكوني عصفوراً مستقلاً تستهويه الأشجار أحياناً فينتقل بينها، ويخط على أغصانها، يظل يغرد مع عصافيرها الأخرى، ويحاول القفز بين غصن وآخر ويرتفع صوت تغريده أحياناً فيشجي غفير الشجرة أو على الأصح حارسها الجالس تحتها أن يكون في ذلك إزعاج لكبار الحارة مفتوحة له بندقيته أحياناً ليخنقه حتى يهدأ تغريده وأحياناً يصيبه حتى يهرب. ولهذا تراني أحياناً أنتقل من شجرة إلى أخرى. هرباً من بنادق رؤساء التحرير، وبنادق رؤساء التحرير التي تسلمها لهم وزارة الإعلام مؤملة بالتأكيد ولكن الأكثر إيلاماً مدفع الوزارة العملاق الذي توجهه أحياناً فتصيب بعض عصافير الصحافة إصابات تعيقها وقد تكون مميتة... أما الذي أراه في نهاية النفق فهو برميل للنفايات أرجو عندما تصله أن نرمي فيه بنادق رؤساء التحرير وكذلك مدفع الوزارة العملاق. في زاويتك تنشر عدداً من القصص الرمزية.. هل تعتقد أن الأسلوب السردي يخدم الكاتب الصحافي؟ - أصناف الكتابة مثل أصناف الطعام.. والسرد صنف مفضل لدى كثير من القراء.. ولو أخذنا التعليقات التي تتم على المقالات في النسخ الالكترونية كمعيار فاني أستطيع القول إن أسلوب السرد الذي استخدمه هو الأكثر قبولاً بدليل التعليقات الكثيرة عليه، وطبيعة مضامين تلك التعليقات.. أما سؤالك عما إذا كان هذا الأسلوب يخدمني في إيصال الفكرة التي أريدها فالإجابة هي نعم وبقوة وحتى أكون دقيقاً أقول إن الأمر يتوقف على طبيعة الفكرة، فهناك أفكار ليس من المناسب طرحها بهذه الطريقة، وهناك ليس فقط طرحها بهذه الطريقة يكون أنسب... بل إنه يصعب طرحها إلا بها.. تعدد رؤساء تحرير صحيفة (الوطن).. وما تزال أنت مستمراً في الكتابة بها، هل هناك معادلة صعبة للاستمرارية..؟ - سبق أن شبهت (الوطن) بالفرس البرية الجموح التي نراها في الملاعب الإسبانية، ويظل ظهرها يعلو ويهبط بقوة وسرعة والشاطر من رؤساء التحرير مَنْ يصمد أطول فترة ممكنة قبل أن يواجه المصير الحتمي وهو السقوط.. مهمتي ككاتب تقديم الغذاء لتلك الفرس لتستمر في جموحها وعنفوانها.. نعم أصفق لرؤساء التحرير وأشجعهم على البقاء على ظهرها أطول فترة ممكنة، وأتعاطف معهم وأحزن عند السقوط.. ولكن ليست هذه هي مهمتي الحقيقية.. وهم يدركون ذلك ويقدرونه. كيف هي صفحات الرأي في إعلامنا.. أتراها مؤسسات مجتمع مدني بطريقة غير مباشرة..؟ - هي تحاول سد الفراغ، ولكن بطريقة مختلفة. هل ترى خيطاً رفيعاً بين الأكاديميين والآخرين..؟ - شكراً.. سأتناول كأساً من الشاي وأبتسم.. ما ذكرته ظريف جداً.. وحتى أتناول المزيد من الشاي والمزيد من الابتسام أقول لك إني لا أرى أي خيط. نحن والصراعات هل نستطيع القول إننا نعيش صراعاً فكرياً لكن في أجواء مشحونة..؟ - استطيع القول إننا نعيش تجاذباً فكرياً محموماً في مفترق طرق.. ولأن بعض التيارات تدرك أهمية حسم المرحلة وخطورة النتائج، فإنها أحياناً تفقد صوابها فتلجأ لسلاح الفتاوى والمطاوي. الصراع الفكري لماذا هو في أشده عندنا عن بقية دول الخليج؟ - لأن السحر والفتنة في دول الخليج تجاوزا عنق الزجاجة منذ فترة طويلة واتجها للاقتصاد والإنتاج والإبداع، في حين أنه عندنا ما زال مختبئاً في عيون النساء. الهيبة الدينية أليست عائقاً أمام الحوار في قضايانا الكبرى..؟ - بل مثل سد وادي حنيفة بفارق أنها لا تنظم المياه الزائدة، ولذلك تتجه للسراديب إلى الأرض التحتية في أعماق النفوس فيحصل ذلك التناقض الكبير في السلوك. ما دام الإسلام دين العقل فلِمَ ننحيه عن نصوص بعينها ولا نقبل إدارة النظر فيها..؟ - نحن لم ولن ننحيه.. ولا يمكن أن نترك التدبر الذي أمرنا به القرآن الكريم.. الذين ينحون العقل هم ضعاف العقول.. ومن الطبيعي لضعيف العقل أن يركن إلى عقول الأسلاف في العصور القديمة التي لا تنيرها الكهرباء، في حين أننا الآن في عصور المصابيح المضيئة التي فجرها العقل بتجلياته الرائعة. خروج الأمم من أزماتها يعتمد على كل أفرادها.. هل نحن في أزمة ما؟ وكيف نخرج منها كون المرأة مشروع فتنة؟ - بل قُلْ أزمات.. أبسطها كون المرأة مشروع فتنة؛ ذلك المشروع الذي عاش معنا عشرات السنين ولم يكتمل بعد. يخاف البعض من طرح آرائه الجديدة، لأنها تفتح عليه أبواب جهنم.. إلى متى ونحن نهاب الجديد ونعاديه؟ - هذا يعود لثقافة (البدعة) السائدة، فقد توسعنا في مفهوم البدعة، وأصبح كل جديد هو في حكم البدعة.. ثم إننا نخاف من الجديد، ونكره المغامرة، وليس لدينا روح التحدي والتجريب التي نراها عند غيرنا؛ ولذلك تتراجع عندنا الإبداعات الجديدة في حين أننا نراها مميزة عند غيرنا في مختلف المجالات. حماية الأمن الفكري هل تناقض حرية التفكير؟ - نعم.. نعم الأمن يتطلب وضع حارس على كل باب أو إيصاد الأبواب كلها.. وحرية التفكير تتطلب فتح الأبواب على مصاريعها بلا حراس. هل تظن أن جيل الأسئلة والبحث والفضاءات المعلوماتية .. سيستوعب مسألة الحماية كما يجب؟ - يمكن أن يستوعبها لو أنه شارك في إعداد قوانينها، أما أن يُفاجأ بخروجها من غرف الوصاية فالأمر مختلف. ألا تشعر أن الكتب أصبحت أكثر مشيخة من العلماء أنفسهم، فكثرت الأخطاء هنا وهناك..؟ - أنا ليس لي دخل أنت الآن تقول إن المشايخ أخطاؤهم أكثر من أن تُحصى، لقد نبهتني إلى ما لم يكن لي به علم. لماذا القرار الحكومي أحياناً لا ينفذ..؟ - من قال لك ذلك؟ نوع المصلحة هو المعيار.. المصالح العامة من الطبيعي ألا يأبه بها أحد.. أما المصالح الخاصة فتدفعها الصواريخ التي لم تخترع التعبئة ما يسقطها حتى الآن. عنايتك الحالية بالأسهم وأسواق المال هل ستكبح جماح محللي الغفلة من الضالعين في الأمية الاقتصادية؟ - إذا كنت تقصد المقالات التي أكتبها أحياناً عن سوقنا المالي، فإنها لا يمكن أن تغفل ذلك لأنها مجرد نقطة في بحر، وإذا كنت ترى تلك النقطة بيضاء نقية شفافة، فإني أشكرك، ولكن تأثيرها يكون بقدر حجمها وحجم البحر الذي وقعت فيه. نعد لأحفادنا مستقبلاً أسود مؤسستنا الدينية تسهم في تعظيم الخرافة والدجل سيرة ذاتية ..