تترقب الأوساط الاقتصادية في مصر نتائج زيارة بعثة «صندوق النقد الدولي» إلى القاهرة والتي تنتهي في 11 أيار (مايو) الجاري، للاطمئنان على سير الإجراءات الاقتصادية الحكومية الهادفة إلى التخفيف من الأزمة الخانقة التي تعصف بالاقتصاد المصري. وترتبط هذه الزيارة أيضاً بحصول مصر على الشريحة الثانية والتي تٌقدر ب1.25 بليون دولار من القرض الذي سيدفعه الصندوق بقيمة 12 بليون دولار على 3 سنوات لإنعاش الاقتصاد المصري. وحصلت مصر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي على الشريحة الأولى بقيمة 2.75 بليون دولار، بعد تعويم الجنيه وتخفيض الدعم على المحروقات ورفع أسعار الفائدة على الادخار بين 16 و20 في المئة. ونقلت وكالة «رويترز» عن وزير المال المصري عمرو الجارحي قوله أمس إن مصر تتوقع الحصول على الدفعة الثانية من الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي في النصف الثاني من حزيران (يونيو). وأضاف الجارحي خلال مؤتمر صحافي في القاهرة أن «مؤشرات الاقتصاد المصري التي تتم مراجعتها مع بعثة صندوق النقد الدولي تسير بشكل جيد. نحن نراجع مؤشرات العام المالي المقبل حالياً». وأشار وزير المال إلى أن مصر قد تطرح سندات دولية نهاية الشهر الجاري أو بداية حزيران من دون تحديد قيمة الطرح المتوقع. كانت الحكومة وافقت في نيسان على زيادة الحد الأقصى لإصدار السندات الدولية لما يصل إلى سبعة بلايين دولار. وفي السياق نفسه، أكد وزير التجارة والصناعة طارق قابيل أنه عرض على بعثة الصندوق خطة الإصلاح التي انتهجتها حكومته حالياً، وأثمرت عن وضع استراتيجية للتنمية المستدامة لإحداث طفرة في الاقتصاد المصري والتي تنفذ حالياً مشاريع ضخمة في مجالات الطرق والكهرباء واستصلاح الأراضي وتطوير الموانئ. وذكر قابيل أن الحكومة قطعت شوطاً كبيراً نحو الإصلاح والتطوير المؤسسي تضمن الموافقة على إنشاء هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر تجمع الأطراف المعنية تحت مظلة واحدة وتستهدف دمج المشاريع غير الرسمية في منظومة الاقتصاد الرسمي والترويج للصادرات المصرية والإشراف على تطبيق استراتيجية تنمية الصادرات، مضيفاً أن الحكومة وافقت أيضاً على إنشاء الهيئة الاقتصادية لتطوير المثلث الذهبي، لافتاً إلى أنه تم أيضاً إنشاء المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي. وعرض قابيل على الصندوق استراتيجية وزارته لتعزيز التنمية الصناعية والتجارة الخارجية حتى عام 2020 والتي تهدف لتعزيز تنافسية المنتجات المصرية وزيادة الصادرات، وزيادة معدل النمو الصناعي إلى 8 في المئة، إضافة إلى زيادة وتعزيز مساهمة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في الناتج المحلي ورفع حصة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي من 18 إلى 21 في المئة، إلى جانب خفض عجز الميزان التجاري بنسبة 50 في المئة، وتوفير 3 ملايين فرصة عمل. وأشار قابيل إلى أنه على رغم كل التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.3 في المئة العام الماضي، كما انخفض العجز في الميزان التجاري بنسبة 18 في المئة، وارتفع احتياط البنك المركزي 55 في المئة، فضلاً عن زيادة الاستثمارات بنسبة 6.2 في المئة. وحول انزعاج صندوق النقد من ارتفاع نسبة التضخم إلى ما يزيد على 32 في المئة وتلميحاته إلى ضرورة رفع سعر الفائدة على الادخار لخفض التضخم، قال الخبير الاقتصادي رشاد عبده إن بعثة صندوق النقد الدولي أبدت انزعاجها الشديد من زيادة حجم التضخم الذي يلقي الأعباء على المواطن البسيط. وأضاف أن زيادة الطلب في السوق النقدية سبب رئيس في زيادة التضخم، ما دفع بالبنك المركزي إلى زيادة عائدات الفوائد. إلا أن حجم التضخم زاد على رغم الإجراءات. وأشار إلى أن زيادة الفوائد على الودائع يزيد الأعباء على أصحاب المصانع لارتفاع كلفة التشغيل وبالتالي سيؤدي إلى إغلاق الكثير من المصانع والمشاريع الخاصة. إلى ذلك، يرى المستشار السابق لصندوق النقد والخبير الاقتصادي فخري الفقي أن من الضروري أخذ توصيات صندوق النقد الدولي في الاعتبار حتى لا تحدث أيّ تأخيرات في صرف الشرائح المالية المقررة للدولة من قبل الصندوق، لافتاً إلى أن رفع سعر الفائدة يمكن تطبيقه في الوقت الحالي ولكن مع إجراءات احترازية عدة، خصوصاً أن رفعها يتسبب في رفع الدين العام، ما يستوجب على وزارة المال أن تكون لديها رؤية وحلول جاهزة لتعويض هذا الأمر في الموازنة العامة للدولة. وتوقع الفقي أن يقوم البنك المركزي بدراسة ومناقشة ما أوصى به الصندوق من رفع لسعر الفائدة خلال اجتماع السياسة النقدية المقرر انعقاده يوم 18 الجاري. إلى ذلك، قالت المحامية ناهد أبو النيل إلى «الحياة» إن تسارع معدلات التضخم ألقى بأعباء ثقيلة على كاهل الفقراء وغالبية الطبقة المتوسطة، وهم السواد الأعظم من شعب مصر. وطالبت الحكومة بتشديد رقابة الأجهزة الحكومية واتحادات الغرف التجارية والصناعية على أسعار المنتجات التي ارتفعت بصورة غير مسبوقة عقب قرار التعويم. وأعربت أبو النيل عن قلقها من تلميحات صندوق النقد الأخيرة بتطلعهم نحو استخدام أسعار الفائدة كإحدى الأدوات المتاحة للسيطرة على معدلات التضخم المتزايدة في الاقتصاد المصري. وعزت تلك التلميحات إلى زيادات أخرى في الأسعار، وليس لكبح جماح التضخم الذي نعانيه في الوقت الراهن، ونبهت أبو النيل إلى أن ارتفاع الفائدة قد يؤثر في الإحجام في الاستثمار والاقتراض من البنوك، وبالتالي خفض نسب التوظيف، وعدم القدرة على التصدير والتنمية. واتفق المحاسب شريف فايز مع أبو النيل في الرأي في أن ارتفاع الأسعار يلتهم دخل غالبية المصريين في ظل ثبات المرتبات، وانخفاض قيمتها الشرائية عقب التعويم.