الملل الذي نعبّر في محكيتنا ب«الطفش»، يستشري كثيراً في تفاصيل أيامنا، تأخذ عائلتك إلى المطعم، وفور عودتهم يبدأ هذا الإحساس بالتسرب إليهم، تعود من رحلة داخلية أو خارجية، فيحدث الشيء نفسه، إن لم يحدث خلالها، تغيّر بعض الأثاث أو تصبغ بعض الغرف، لا تجد النتيجة المأمولة. ونحن في يوم الجمعة، أي في إجازتنا الأسبوعية التي بدأت أمس، تجد بعضنا يلهث في برامج روتينية للقضاء على هذا الملل ولا يفلح. ادخل لمواقع المنتديات والدردشة، سترصد ما لا يقل عن ربع الموجودين يشتكون من الملل، يطلقون على أنفسهم أسماء توحي به، ويمارسون أشياء تؤكد تغلغله في نفوسهم. الحالة حقيقية ومعاشة، وودت لو يتدخل الاختصاصيون النفسيون والاجتماعيون، لولا أنهم بدورهم يشعرون بالملل. البعض يحيل ذلك إلى طبيعة المعيشة، انحسار وسائل الترفيه الجماعي، الطقس، العادات الاجتماعية، الفوبيا الاجتماعية، الخوف من التغيير، نمط الحياة الذي يستنسخ من جيل إلى جيل مع رتوش ليست جوهرية، وعشرات الأسباب، والبعض لا يجد تبريراً واضحاً، ولا ينقصه شيء محدد، أو لديه شكوى معينة. هل يمكن أن يكون لطبيعة الحوار بين أفراد العائلة دور في ذلك، لننظر ونحاول الاستدلال، الزوجة والأبناء وغالباً الأب، لديهم ضروريات الحياة غالباً وغير الضروري أحياناً، ورفاهية نسبية تختلف بحسب مفهوم وقدرات كل شخص، فما الذي ينقصهم؟ ربما ينقص بعضهم أن يعرفوا إلى أين يسيرون، ما الذي يهدف إليه رب الأسرة، أين سيكونون بعد خمس أو عشر سنوات، وهذا لا يتعارض مع المسلمات بالأقدار، لكن فقط لجهة التخطيط والتخمين، وبناء خط سير الحياة. ربما لو أخبرت أم أولادها بحلم، أو أب عائلته بخطة مالية، أو طريقة معيشية يسعى لها، لشاركوه الهدف، ولأدخل في نفوسهم أشياء أخرى غير الرتابة والملل، ولتحفزوا لانتظار ما يؤمل أن سيجيء أو يتحقق. وربما لا يكون كل ذلك صحيحاً، وقبل أن تملوا وتطفشوا من هذه الرحلة في عالم تعرفونه جيداً، أطرح عليكم نتيجة توصل اليها الكثيرون في العالم من حولنا، وهي الإجابة على السؤال الأزلي ما الذي يجعلني سعيداً بالفعل؟ وهو السؤال الذي تبدأ التعاسة معه عندما نقول الإجابات الخاطئة، المزيفة، التي لا تعبّر عنا، بل تحاول فقط الاقتراب من منطقة «اللا انتقاد» أسرياً أو اجتماعياً، وربما ذاتياً، اذ نجلد ذواتنا وهي «يحووووول» لم يبدر منها شيء سوى التفكير، ونمضي جزءاً كبيراً من حياتنا «طفشانين» تكفيراً عن هذه الجريمة، ونظل نتلقى بضيق من الآخرين عبارة «وسع صدرك». [email protected]