كسرت محافظة حضرموت (جنوب شرق اليمن) الجليد اليمني، وحركت بقوة مياه السياسة الآسنة في البلاد، وكشفت وهي تتقدم إلى الأمام حجم الضرر الفادح الذي يلحق باليمن، نتيجة الحرب التي شنها الحوثيون على الشرعية وتباطؤ حركة السلطات الشرعية، في إدارة المناطق والمحافظات المحررة من ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية، وترسيخ أقدام الشرعية فيها، وإعادتها إلى حاضنة الدولة، وتقديم النموذج الذي يتطلع إليه اليمنيون في هذه المحافظات من خلال ضبط الأمن، وتعزيز الإدارة الكفؤة، والإعلاء من قيم النظام، والقانون الذي يحتكم إليه الجميع. بيد أن محافظة حضرموت لم تنتظر كل ذلك، وذهبت بمؤتمرها «الجامع» الذي عقد مؤخراً، بمشاركة واسعة من أبناء المحافظة بمختلف توجهاتهم ومشاربهم السياسية والفكرية والثقافية، والذي أقر أن تكون «حضرموت إقليماً مستقلاً بذاته» ضمن دولة اليمن الاتحادية المكونة من ستة أقاليم، والمقرة في مؤتمر الحوار الوطني، الذي استمر خلال الفترة من آذار (مارس) 2013 وحتى كانون الثاني (يناير) 2014 بمشاركة مختلف القوى والأحزاب السياسية اليمنية، بما فيها تحالف (الحوثي- صالح)، قبل أن ينقلب هذا التحالف على مخرجات الحوار، وعلى السلطات الشرعية بقوة السلاح. وأوصى المؤتمر بأن يتمتع إقليم حضرموت «بحقوقه السياسية السيادية كاملة غير منقوصة، بعيدًا عن مختلف صنوف التبعية والانتقاص والإلحاق بما يحقق العدالة في توزيع السلطة والثروة، والتوازن في المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن يكون تمثيله في أي استحقاق قادم، وفقًا لمعايير المساحة وعدد السكان ومقدار الإسهام في الميزانية الاتحادية، وأن تمثل حضرموت في الحكومات الاتحادية، والسلطات الثلاث والهيئات والقطاعات والمجالس الاتحادية، والمجلس البرلماني بما لا يقل عن 40 في المئة». وتضمنت قرارات وتوصيات المؤتمر «منح برلمان حضرموت الحق في تصديق وتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات والعقود في مجال الأسماك والاستكشافات النفطية والمعدنية والغاز وعقود الاستثمار داخل المحافظة، وأن يكون لأبنائها الحقُّ في الإدارة الكاملة للسلطة الإدارية والاقتصادية والعسكرية والأمنية على جميع المنافذ والمطارات والموانئ والمياه الإقليمية داخل الإقليم، واعتماد حضرموت منطقة عسكرية واحدة بقيادة حضرمية، وتأسيس كليات شرطة وحربية ومراكز تدريب عسكرية تخصصية، وأنه يحق لأبناء حضرموت ترك الاتحاد متى رأوا أنه لم يعد على النحو الذي اتُّفِقَ عليه، بما يضمن امتلاكه كافة حقوقه، ويحفظ الهوية الحضرمية». الحكومة اليمنية الشرعية باركت نتائج المؤتمر، وأكدت تأييدها إعلان حضرموت إقليماً مستقلاً، ودعا الناطق الرسمي باسم الحكومة راجح بادي في تصريحات صحافية المحافظات اليمنية الأخرى، إلى البدء بتدشين أقاليمها، وقال أن الحكومة اليمنية متمسكة بحل الأقاليم الاتحادية الستة، باعتباره الحل الأمثل لوضع اليمن، وان التراجع عن هذا المشروع يعني العودة بالبلاد إلى المركزية التي كانت عليها في عهد حكم الرئيس السابق علي صالح. بيد أن مصادر قانونية أكدت بطلان قرارات وتوصيات مؤتمر حضرموت، باعتبار أن «مشروع الدستور المعد في مؤتمر الحوار الوطني، والذي نص على تحديد شكل الدولة الاتحادية من ستة أقاليم لا يزال مسودة، ولن يصبح نافذاً إلا بعد الموافقة عليه في استفتاء شعبي»، وقالت المصادر القانونية ل «الحياة»، حتى لو سلمنا بأن «الدستور اليمني الجديد أصبح نافذاً، فإن قرارات وتوصيات مؤتمر حضرموت تضمنت العديد من المخالفات، مثل إعلان حضرموت إقليماً مستقلاً، ما يعد مخالفاً لمسودة الدستور التي نصت على أن يضم إقليم حضرموت ثلاث محافظات أخرى، هي شبوة والمهرة وسقطرى». وأوضحت المصادر القانونية أن قرارات مؤتمر حضرموت أكدت أن يتمتع الإقليم بحقوقه السياسية السيادية كاملة غير منقوصة، بعيدًا عن مختلف صنوف التبعية والانتقاص والإلحاق، بينما «السيادة المطلقة غير المنقوصة هي للدولة الاتحادية وليس للإقليم، وينظم الدستور والقوانين العلاقة بين الدولة والأقاليم، بما يحقق المصلحة العليا ومبدأ الشراكة وليس الاستقلال الكامل». والأمر ذاته ينطبق على الفقرة الخاصة بمنح برلمان حضرموت الحق في التوقيع والتصديق على الاتفاقيات والمعاهدات والعقود، ما يعد في نظر المصادر القانونية «تجاوزاً للدولة الاتحادية، ومخالفة لنص المادة 17 من مسودة الدستور، والتي تؤكد أن الثروات الطبيعية ومصادر الطاقة الموجودة في باطن الأرض أو فوقها أو في المياه الإقليمية، ملك للشعب، وتكفل الدولة الحفاظ عليها وحسن إدارتها واستغلالها واستثمارها لمصلحة تحقيق المصالح العامة، وتوزيع عائداتها بين مستويات الحكم بصورة عادلة ومنصفة». وتابعت المصادر القانونية سرد المخالفات وقالت إن مطالبة مؤتمر حضرموت بنسبة تمثيل في السلطات الثلاث تصل إلى 40 في المئة، فيها «مبالغة واضحة وتجاوز لمقررات مؤتمر الحوار الوطني التي نصت على تقاسم شمال اليمن وجنوبه التمثيل مناصفة في الهيئات الاتحادية، ما يعني أن حصول حضرموت على هذه النسبة من التمثيل، فيه إجحاف بحق المحافظاتالجنوبية الأخرى، والتي لم يبق له مؤتمر حضرموت غير 10 في المئة، وهو ما لا يقبله عقل أو منطق، ومن شأنها نسف مشروع الأقاليم من جذوره»، كما اعترضت المصادر على البند الذي «يمنح أبناء حضرموت حق ترك الاتحاد متى رأوا أنه لم يعد على النحو الذي اتُّفِقَ عليه، واعتبرت ذلك البند يؤسس لانفصال حضرموت من الدولة الاتحادية، بخاصة وقد خلا من أي تفاصيل يمكن مناقشتها أو الاعتماد عليها». وتؤكد مصادر محلية في محافظة حضرموت تحدثت إلى «الحياة» أن المؤتمر الجامع شهد انقساماً كبيراً بين أبناء المحافظة، وأن المشاركين فيه لم يناقشوا أي قضايا، بل أن قيادة المؤتمر لم تسمح للمشاركين بالحديث، وأن المؤتمر كان عبارة عن جلسة افتتاحية ألقيت فيها الكلمات والقصائد الشعرية، كما لم ينتخب أي هيئات أو لجان لمتابعة مقرراته»، وأوضحت المصادر أن ما حدث في المؤتمر الجامع «يمثل استغفالاً لعقول الناس واستخفافاً بها، وبالتالي فإن ما حصل لا يخدم محافظة حضرموت، وقد يزيد من حالة الانقسام في أوساط أبنائها». ووجهت مصادر سياسية يمنية العديد من الانتقادات لمقررات مؤتمر حضرموت الجامع، وقالت المصادر في أحاديث إلى «الحياة» إن فيها «خروجاً عن كيان الدولة الاتحادية، وتمترساً مناطقياً، بخاصة أن مقررات وتوصيات المؤتمر فيها إجحاف بحقوق الأقاليم والمحافظات الأخرى، والذي بلغ حد استبعاد محافظات شبوة والمهرة وسقطرى من الإقليم، وتجاهل الهوية اليمنية الجامعة، والتركيز على «الهوية الحضرمية ذات الإرث الثقافي الأصيل المستمد من ديننا الحنيف ومدرسته الشافعية»، وهو أيضاً ما «يمثل استدعاء للتمترس المذهبي وعدم القبول بالآخر». وترى المصادر أن «الوضع الراهن في اليمن، بات أكثر احتياجاً لبناء دولة اتحادية، تكفل التوزيع العادل للسلطة والثروة، وتفكيك هيمنة المركزية التي حكمت اليمن بشطريه منذ تأسيس الجمهورية عقب ثورتي 62 و63 في الشمال والجنوب، ودولة الوحدة منذ 22 أيار (مايو) 1990، غير أن ما يحدث اليوم يمثل انتقالاً إلى فيديرالية الأمر الواقع، وقبل اعتماد القواعد الدستورية المنظمة لذلك، وهو ما يحتم على السلطات الشرعية في البلاد، ترشيد هذا الانتقال وتقنينه وبناء القواعد القانونية والمؤسساتية لنجاحه». وفي المقابل، تعتقد المصادر السياسية أن ما حدث في محافظة حضرموت «يمثل خطوة ريادية، كونها حركت المياه الآسنة في اليمن، وقد تدفع السلطات الشرعية للتسريع من خطواتها لتأسيس اليمن الاتحادي، حتى لا تجد نفسها متأخرة عن مبادرات وخطوات المحافظات المحررة من الميليشيات الانقلابية، كما أن مقررات مؤتمر حضرموت ورغم المآخذ التي عليها، تجاوزت بعض فصائل الحراك الجنوبي الداعية للانفصال، ووجهت بقبولها نظام الأقاليم ضمن دولة اليمن الاتحادية، ضربة قوية لفكرة الدولة الاتحادية من إقليمين، أو تقسيم الشمال وبقاء الجنوب إقليماً واحداً، والتي يطرحها سياسيون جنوبيون، ليكون مقدمة منطقية تمهد للانفصال». وتعد مقررات مؤتمر حضرموت الجامع في نظر المصادر السياسية، «متناغمة وملبية لمطالب جميع أبناء المحافظة، بخاصة ان أبناء حضرموت يؤكدون في العديد من المواقف قبولهم بالبقاء ضمن الدولة الاتحادية، أو تأسيس دولة حضرموت المستقلة، في حال ذهبت الأمور في اليمن نحو الانفصال، كونهم لن يقبلوا مطلقاً بالعودة إلى حضن الدولة الجنوبية التي تدعو لها بعض الفصائل الانفصالية، ليتجرعوا من جديد ذات المرارات، التي كانوا يتجرعونها إبان حكم الحزب الاشتراكي لجنوب اليمن قبل الوحدة».