باختيارهما الرهان على وساطة السنغال الجار الأكثر إلماماً وحساسية إزاء ما يحدث في موريتانيا، يكون تيار الجنرال محمد ولد عبدالعزيز ومعارضوه التقوا في الإفادة من الأجواء التي ترتبت على انقلاب آب (اغسطس) الماضي. وكما اضطر الرجل القوي في النظام الذي لم يثبت قدميه على الأرض أن يخلع بذلته العسكرية ويتجه الى صناديق الاقتراع بحثاً عن شرعية ما، فإن معارضيه المتمسكين بشرعية الرئيس الذي أطيح به الشيخ ولد عبدالله أو الراغبين في إرجاء الانتخابات الرئاسية يلتقون عند هاجس التزام الخيار الديموقراطي سبيلا لتثبيت أركان الحكم. ليس بسبب الاذعان لضغوط خارجية فقط وجد الجنرال ولد عبدالعزيز نفسه مضطراً لإضفاء شرعية ديموقراطية على انقلاب الصيف الماضي، ولكن لأن محاولاته إلغاء الصوت المعارض جلبت عليه متاعب داخلية، عدا أن تكرار طبعات الانقلابات السابقة كان مستحيلاً في وقت اكتشف فيه الشارع الموريتاني أن الجيش وحده ليس قادراً أن يخلد في القصر الرئاسي. ساعدهم في ذلك أن الجنرال المتنفذ علي ولد محمد فال رحل عن السلطة من دون ضجة. اختلفت رؤية ولد عبدالعزيز مع رفيقه ولد محمد فال، فقد افترقا في منتصف الطريق، دبّرا معاً الانقلاب الذي أطاح معاوية ولد الطايع واشتركا في وصفة نقل الحكم الى رئيس مدني، لكنهما ابتعدا عن بعضهما في تدبير فترة ما بعد الانتشاء. فقد اعتزل الأول السياسة فيما اختار الثاني الاقامة في القصر الرئاسي بلباس مدني. لم يتمكن الموريتانيون، على رغم ما عرف عنهم من صفح وتسامح في ما بينهم، من تسوية خلافاتهم تحت خيمة موريتانية، فقد استسلموا الى مشاعر صراع يدركون أنه لا بد أن ينتهي الى نتيجة واحدة، أقربها اقتسام السلطة بين الجيش والأحزاب. غير أن أبرز الاشكالات يكمن في التوصل الى صيغة مرضية بهذا الصدد. ولا يعني استخدام كل أدوات الضغط سوى أن أهل نواكشوط لا يرغبون في تكرار تجربة ما بعد اعتزال الجنرال ولد محمد فال. حتى الموالون للرئيس المخلوع الشيخ ولد عبدالله يدركون أن تجربته في الحكم استنفدت أغراضها، بدليل أن معارضيه هم الذين يقفون صفاً واحداً في اختيار قدرتهم على فعل شيء لا يكون على مقاس الاحباطات السابقة، فيما لم يكن في وسع الجنرال ولد عبدالعزيز أن يتخلص من التركة من دون إرضاء الغاضبين الذين اكتشفوا انهم ضحايا خدعة. بيد أن اللافت في التجربة أن هذا الاكتشاف تزامن والرهان على الشرعية الديموقراطية، وبالقدر الذي يسجل للانقلابيين الجدد أنهم أبقوا على مناخ التعددية السياسية وحرية الجهر بالآراء المعارضة لهم، بالقدر الذي تحولت الشهور التي أعقبت انقلاب الصيف الماضي الى مدرسة في بلورة النقاش حول مستقبل البلاد. فثمة ميزة طبعت الحياة السياسية، كونها لم تعلق بقرار عسكري ولم تتبلور بعد بقرار سياسي.