ارتفع الطلب على النفط في الصين بمعدلات قياسية خلال عام 2010، إذ ازداد الطلب إلى نحو 8.64 مليون برميل يومياً ما بين مطلع السنة ونهاية تشرين الثاني (نوفمبر)، أو نحو 7.10 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2009. وسجل الارتفاع اعلى مستوى له خلال تشرين الثاني الماضي، إذ وصل معدل الاستهلاك الشهري إلى نحو 9.3 مليون برميل يومياً، أو 8.9 في المئة، مقارنة بتشرين الثاني 2009. وحصلت هذه الارتفاعات على رغم الزيادات الاربع في الضرائب على البنزين والأنواع الأخرى من وقود المواصلات خلال عام 2010، كانت آخرها زيادة بنسبة أربعة في المئة للضرائب في 22 كانون الاول (ديسمبر). فرضت الحكومة الصينية الضرائب من اجل خفض معدل استيراد النفط من الخارج الذي يشكل الآن نسبة 55 في المئة من الإمدادات المتوافرة، وذلك خوفاً على أمن الطاقة، والأهم من ذلك لخفض معدلات التضخم في البلاد التي تهدد مسيرة نمو الاقتصاد الصيني. ولم تقتصر الزيادة في الطلب على الطاقة في استهلاك النفط فقط، بل شملت ايضاً ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي. وتشير المعلومات في هذا الصدد إلى ارتفاعات الواردات إلى نحو 15.3 بليون قدم مكعبة من الغاز المسال في الأشهر ال 11 ذاتها من السنة، أو بزيادة نحو 30 في المئة مقارنة بالفترة المقابلة من عام 2009. لا يزداد الطلب على النفط في معظم الدول الصناعية الغربية عادة اكثر من اثنين إلى ثلاثة في المئة سنوياً، هذا إذا ازداد. وتسجل الدول المصدرة للنفط في الشرق الاوسط اقرب معدلات زيادة في الطلب على النفط لتلك، وذلك لانخفاض اسعار المحروقات في هذه المنطقة والدعم المادي الواسع الذي تقدمه الحكومات للمحافظة على مستوى أسعار منخفض نسبياً، ومن ثم استهلاك عال للمشتقات النفطية. اما في الصين، فسبب زيادة الطلب هو النمو الاقتصادي المستدام. ماذا يعني هذا الازدياد في الطلب الصيني على النفط والغاز؟ يعني ان الاقتصاد الصيني تمكن من النمو والارتفاع خلال واحدة من أحلك الأزمات الاقتصادية العالمية المعاصرة. لكن يصعب على الصين تكرار هذه التجربة الفريدة من نوعها، لانها تعتمد على الصادرات في تحقيق نموها الاقتصادي. ويتطلب التحوط وخفض هذا الاعتماد على الصادرات تحسين الاقتصاد الوطني والاستهلاك المحلي ودعمهما، وهذا بالفعل فحوى ما يدور الآن من أنظمة وتشريعات اقتصادية في الصين. ويعني هذا الارتفاع في الطلب النفطي زيادة الاعتماد على استيراد النفط الخام، ما أخذ يزيد من مخاوف انقطاع الإمدادات ويثير مسألة امن الإمدادات النفطية. ان معظم واردات الصين النفطية هي من الدول العربية، خصوصاً السعودية. لكن العلاقات النفطية العربية - الصينية تتجاوز موضوع الاستيراد، اذ إن عدداً متزايداً من شركات النفط الوطنية العربية تؤسس شركات مشتركة وتقيم علاقات تجارية واسعة مع شركات صينية، وذلك لحيازة موقع قدم في ثاني اكبر سوق استهلاكية للنفط في العالم. وخير مثال على هذا التعاون هو الاهتمام المتزايد الذي توليه شركة "ارامكو السعودية" لهذا الامر. ومعروف أيضاً ان الشركات الصينية، وكلها حكومية، تعمل في مشاريع بترولية في كل الدول العربية المصدرة للنفط من دون استثناء. وتشمل هذه المشاريع الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز، والتطوير الإضافي لحقول مشتركة، وتشييد مصافي التكرير، ومد أنابيب بترولية. وتساعد الحكومة الصينية شركاتها في الفوز بهذه المشاريع من خلال القروض الميسرة التي تؤمّنها لها. ويعكس هذا الازدياد في الطلب، بدء الحكومة الصينية المرحلة الثانية من بناء المخزون الاستراتيجي النفطي، الذي يبلغ حجمه نحو 45 مليون طن من النفط الخام، والمتوقع ان ينتهي العمل به عام 2011. اما المرحلة الأولى من المخزون الاستراتيجي، فانتُهي منها العام الماضي، مع تخزين نحو 26 مليون برميل. وتخزين النفط لاسباب استراتيجية جزء أساسي من سياسة الصين الهادفة إلى لضمان توافر الإمدادات في الحالات الاستثنائية. وهذا، كما هو معروف، برنامج متوافر في كل الدول الصناعية الأضاء في وكالة الطاقة الدولية. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة