خففت محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ، أمس، حكم إعدام قائد الجناح العسكري في تنظيم «الجماعة الإسلامية» عبدالحميد عثمان أبو عقرب، وقضت بحبسه بالمؤبد مرتين (كل مؤبد 25 عاماً) في قضيتي إرهاب دين فيهما وتضمنتا التخطيط والاشتراك في استهداف واغتيال قيادات قوات الأمن في صعيد مصر (في الجنوب) في تسعينات القرن الماضي. وسبق للمحكمة أن أحالت أوراق القضية على مفتي الديار المصرية لاستطلاع رأيه الشرعي في شأن الحكم بإعدام أبو عقرب بعدما انتهت إلى إدانته، وهو إجراء يسبق النطق بحكم الإعدام. ورأي المفتي لا يكون بالضرورة ملزماً لهيئة المحكمة. غير أن المحكمة أمس عدلت عن نيتها إعدام أبو عقرب وقررت تخفيف العقوبة إلى المؤبد. ومحاكم أمن الدولة العليا طوارئ هي محاكم استثنائية أنشئت بموجب قانون الطوارئ، وتعد الأحكام الصادرة عنها من الأحكام القطعية التي لا رجعة فيها، إذ لا يجوز الطعن فيها أمام محكمة النقض (أعلى سلطة قضائية في مصر) أو بأي صورة من صور التقاضي. ويُكتفى في أحكامها بتصديق رئيس الجمهورية بصفته الحاكم العسكري الذي يملك الحق، إما في التصديق على الحكم كما هو، أو طلب إعادة محاكمة المتهمين أمام دائرة أخرى، أو تخفيف الحكم إذا تراءى له ذلك، وفي أغلب الأحيان يتم التصديق على الحكم كما هو. ورحّبت «الجماعة الإسلامية» بتخفيف الحكم على أبو عقرب. وقال منظّر الجماعة، الرجل الثاني فيها ناجح إبراهيم ل «الحياة»، إن حكم المؤبد أفضل من الحكم الأول بإعدام أبو عقرب «الذي لم يقم بأي عمل عنف، ولو فعل ذلك لم يكن ليسلم نفسه»، مشيراً إلى أن أبو عقرب يُعد «السياسي الوحيد الذي هرب 15 عاماً داخل مصر». وعزا إبراهيم تخفيف الحكم إلى «مباهلة أبو عقرب مع القاضي». والمباهلة هي الدعاء بنزول اللعنة على الكاذب. وقال إبراهيم إنه للمرة الأولى في تاريخ القضاء المصري التي يباهل متهم قاضياً، مشيراً إلى أن أبو عقرب كان قد كشف عن نيّته مباهلة القاضي أمام قادة الجماعة «لكننا طلبنا منه العدول عن ذلك كي لا يأتي الأمر بمردود سلبي، لكنه أصر على ذلك وطلب من القاضي الحديث في الجلسة الماضية وخاطبه قائلاً: إن كنت أنا مسؤولاً عن جرائم القتل المتهم فيها فعليّ لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وإن كنت مسؤولاً عن ظلم ألمّ بي فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وهنا أرجأ القاضي الجلسة للنطق بالحكم. ويبدو أن كلمات أبو عقرب تركت أثراً في نفسه (القاضي) جعله يعدل عن حكم الإعدام واختار سجنه». وكانت محكمة أمن العليا طوارئ سبق أن أصدرت حكمين غيابيين بالإعدام شنقاً بحق أبو عقرب، لقيادته إحدى «الخلايا الإرهابية» التابعة لتنظيم «الجماعة الإسلامية» الذي اشتهر بارتكابه لهجمات مسلحة ضد السيّاح ومنشآت الدولة ورجال الشرطة في فترة التسعينات، قبل أن يسلم نفسه في العام 2007 بعد هروبه لأكثر من 15 عاماً لتعاد محاكمته. وأكد إبراهيم أن أبو عقرب ليس مسؤولاً عن أي من أعمال العنف في التسعينات، لأنه ضرير ولا يقوى على قيادة الجناح العسكري للجماعة. وأوضح أن أعضاء الجماعة الإسلامية الذين ألقي القبض عليهم في فترات سابقة أقروا بأنهم كانوا يتلقون التعليمات من أبو عقرب «بسبب التعذيب الذي كانوا يلاقونه، ولاعتقادهم بوفاة أبو عقرب أو هروبه خارج مصر». وأضاف أن من شهدوا ضد أبو عقرب عدلوا أمام القاضي عن أقوالهم في التحقيقات لكنه لم يأخذ بها. وطالب إبراهيم بمحاكمة أعضاء «الجماعة الإسلامية» أمام قاضيهم الطبيعي. وهناك 12 من قادة «الجماعة الإسلامية» صدرت عليهم أحكام بالإعدام، فضلاً عن اثنين من قادة تنظيم «الجهاد» المصري من بينهم محمد الظواهري شقيق الرجل الثاني في «القاعدة» أيمن الظواهري، غير أن العقوبة لم تطبق، في إطار الصلح الذي تم بين الجماعة والدولة عقب مبادرة وقف العنف. وقال رئيس المحكمة المستشار عبدالله أبو هاشم مخاطباً أبو عقرب أمس: «المحكمة راعت ظروفك الصحية فقط وليس ظروفك البصرية وأخذتك بقسط من الرأفة، وندعو الله أن تعود عنصراً صالحاً إلى المجتمع». ورد أبو عقرب قائلاً: «اللهم أنزل لعنتك وغضبك على الكاذب منا، ويكفي أن الله يعلم براءتي وأنني لم أقتل أحداً». من جانبه، قال كامل مندور وعصام دربالة، المحاميان عن أبو عقرب، إنهما في انتظار إيداع رئيس المحكمة لحيثيات الحكم، لمناقشة ما إذا كانا سيتقدمان بتظلّم إلى الرئيس حسني مبارك بصفته الحاكم العسكري يلتمسان فيه براءة موكلهما أو إعادة إجراءات محاكمته من جديد، باعتبار أن الأحكام الصادرة عن محاكم الطوارئ هي أحكام نهائية ولا مجال للطعن عليها بأي صورة من صور التقاضي. واعتبر المحامي دربالة أن أبو عقرب ضحية لقانون الطوارئ الذي منعه من الطعن ضد إدانته أمام محكمة النقض، مشيراً إلى أن موكله حمّله رسائل إلى أسر الضباط الذين أدين بقتلهم، يبلغهم فيها أنه بريء من دمائهم ولم يرتكب ما هو منسوب إليه من قتل ذويهم. من ناحية أخرى، تطلق «الجماعة الإسلامية» مع بداية العام الجديد موقعاً إسلامياً باللغة الأوردية لمخاطبة مسلمي شرق آسيا. وقال ناجح إبراهيم إن منطقة شرق آسيا تضم نحو 200 مليون مسلم «يتعرضون لغزو شيعي وبوذي ونسعى إلى تعريفهم بوسطية الإسلام وعدله».