جاء تبنّي مجلس محافظي صندوق النقد الدولي قرار إصلاح نظامي الحصص وحقوق التصويت والحوكمة نهاية الأسبوع الماضي، ليكرس العام الحالي، بوصفه عام الاقتصادات الناشئة التي نالت اعترافاً دولياً بإنجازاتها، عندما أعلن رئيس وزراء بريطانيا السابق غوردن براون في مناسبة استضافة قمة مجموعة العشرين الثانية في لندن في نيسان (أبريل) عام 2009 ميلاد «نظام اقتصادي عالمي جديد». وتضمن قرار الإصلاحات، الذي وصفه المدير العام للصندوق دومينيك ستروس كان بالتاريخي، وحصل على تأييد محافظين تمتلك بلدانهم 95 في المئة من حقوق التصويت، مضاعفة حصص الدول الأعضاء (في رأس مال الصندوق) إلى 734 بليون دولار، والاتفاق على تعديل بنود اتفاق «بروتن وودز» تمهيداً لرهن تعيين أعضاء مجلس المديرين التنفيذيين من دون استثناء بالاقتراع. وجاء الإنجاز الأهم لقرار الإصلاحات بتدخل كثيف من قمم مجموعة العشرين، بخاصة قمتي بتسبرغ (الولاياتالمتحدة) وسيول، وتمثل في تعزيز رصيد الاقتصادات الناشئة والنامية من الحصص وحقوق التصويت بنسبتي 3.9 و5.3 في المئة (وفي حال أطلق عليها الصندوق اسم الاقتصادات الناشئة الديناميكية، بنسبتي 6 و5.7 في المئة) على التوالي. وبموجب قرار الإصلاحات الذي لن يدخل حيز التطبيق قبل نيل موافقة حكومات الدول الأعضاء، وفي حالات كثيرة، برلماناتها، خلال مهلة اتفق على تحديد موعدها النهائي في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2012، ارتفع رصيد الاقتصادات الناشئة والنامية من حقوق التصويت إلى 44.7 في المئة، بينما ازداد رصيدها من الحصص إلى 42.3 في المئة. وترتب على ارتفاع نصيبها من حقوق التصويت، أن عززت الاقتصادات الناشئة والنامية ثقلها في الصندوق مقارنة بالدول الصناعية الكبرى التي انخفض رصيدها من 45.1 في المئة إلى 41.2، وقلصت كذلك اتساع الفجوة القائمة بينها وبين الدول المتقدمة نتيجة انخفاض رصيد الأخيرة، انعكاساً لتراجع حصة مجموعة السبع، من 60.6 في المئة إلى 55.3. إلا أن إنجاز الاقتصادات الناشئة والنامية تطلب تضحيات ذاتية ولم يتحقق من مبادرة سخية جاءت من طرف الدول المتقدمة، إذ أكد باحثون متخصصون في شؤون المنظمات الدولية في تحليلات مستفيضة لقرار الإصلاحات، أن مساهمة الدول المتقدمة في عملية إصلاح الحصص لم تكن أكثر من متواضعة، ولم تتعد نصف الزيادة التي حصلت عليها الاقتصادات الناشئة والنامية من حقوق التصويت. وعكست لائحة أكبر عشرين اقتصاداً في الصندوق عمق التضحيات التي قدمتها الاقتصادات الناشئة والنامية، إذ انخفضت على سبيل المثال حصة السعودية، التي تحاكي إلى حد بعيد رصيدها من حقوق التصويت، من 3.27 إلى 2.10 في المئة، وتراجع ترتيبها بالتالي من السابعة إلى ال 11، بعدما تقاسمت بريطانيا وفرنسا المرتبة الخامسة. وإلى جانب السعودية، طاول الخفض حصص الجزائر والمغرب وتونس وليبيا والكويت بنسب متفاوتة وضئيلة في الغالب، بينما زادت حصص الإمارات وقطر وسورية ولبنان أيضاً بنسب ضئيلة متفاوتة، ولو احتفظت الدول العربية بحصة إجمالية من حقوق التصويت تزيد على ضعفي حصة الهند وتعادل حصة الصين، حتى بعدما ضاعف قرار الإصلاحات هذه الأخيرة إلى 6.1 في المئة. وتوج إنجاز الاقتصادات الناشئة والنامية، على رغم مثالب قرار الإصلاحات وإخفاقاته، مسيرة خمسة عقود شهدت ارتفاع حصة هذه الاقتصادات من الناتج العالمي من نحو 17 في المئة في المتوسط في ستينات القرن الماضي إلى 31 في المئة في الثمانينات، ومن ثم إلى 43 في المئة العام الماضي. وشهدت الفترة ذاتها تراجع حصة الاقتصادات المتقدمة من 75 في المئة في الستينات إلى 57 في المئة حالياً. ولفت الباحثان ايهان كوزي من صندوق النقد وإسوار براسارد من جامعة كورنيل، في كتاب نشره معهد «بروكينغز» أخيراً، إلى أن الثقل الذي اكتسبته الاقتصادات الناشئة والنامية يغدو أكثر وضوحاً في مقياس مساهمتها في النمو العالمي. فمن نحو 40 في المئة في عقد ونيف (من 1973 إلى انطلاق عصر العولمة في 1985) قفزت هذه المساهمة إلى 51 في المئة في عقدين ينتهيان عام 2007. ولا يبدو أن المفاجأة المذهلة التي فجرتها الاقتصادات الناشئة والنامية في فترة أزمة المال والاقتصاد العالمية كانت منتظرة، ففي عامي 2008 و2009 وجزئياً هذا العام، لم تتبوأ مقعد قيادة الاقتصاد العالمي وتحمل عبء النمو بمفردها فقط، بل ساهمت بقوة في إنقاذ الدول المتقدمة من «الكساد العظيم» وانتقالها من الانكماش المدمر إلى النمو الإيجابي في فترة قياسية.