يجلس العم حجازي (70 سنة) كل ليلة عند مدخل مسكنه في ضاحية شبرا الشعبية (شمال القاهرة)، على مقعد متهالك، مرتدياً جلباباً بسيطاً وبحوزته آلة موسيقية يعتقد المارة أنها آلة الناي، بينما هي الكولة التي تشبه إلى حد كبير الناي. يبدأ حجازي العزف الذي قد يستمر ساعات يستعيد فيها ذكرياته على مدار سنوات طويلة كان فيها عازفاً للآلة الشعبية، في فرقة «رواد فن المواويل» ممن رحل غالبية أعضائها مثل محمد طه وأبو دراع ومحمد خضر وجملات شيحة. يقول: «أتممت عامي ال61 في عزف الكولة التي أول ما نفخت فيها كنت في سن التاسعة، وخلال تلك الفترة داومت على ممارستها كهواية لا أسعى من خلالها إلى جني المال، إلى جانب مهنتي الأساسية، موظفاً في وزارة الثقافة. حتى خلال جولاتي الخارجية بصحبة الفرق الشعبية لإحياء حفلات، لم أحصل على مقابل مادي فقد كان إرضاء شغفي بتلك الآلة كافياً». وانتقل عشق حجازي للفن والألحان إلى عائلته، فتعلم بعض أبنائه عزف الآلة ذاتها بمفردهم مع رفضه توريثهم إياها إشفاقاً عليهم «حتى لا يواجهوا مصيري ذاته». وتعد الكولة إحدى آلات إقليم صعيد مصر، وهي تنتمي إلى الآلات النفخية كونها عبارة عن «قصبة جوفاء مفتوحة الطرفين مقسمة إلى أربعة أجزاء أقصرها الجزء الأعلى، وتضم 6 فتحات يخرج منها اللحن لكن بصعوبة مقارنة بالآلات النفخية الأخرى، إذ يكون على عازفها استخراج أكثر من صوت من الفتحة». ونظراً إلى افتقار تلك الآلة إلى نوتات محددة، لا تدرّس في المعاهد الموسيقية المتخصصة، كما أنها لم تنضم إلى التخت الكلاسيكي في مصر إلا في السنوات الأخيرة، بعدما طوعها عازف الناي عبدالله نصرالله، وعُرفت بالتوازي في تونس.