من قال إن النضال يقتصر على ساحات الحرب والاقتتال القائمة على أخذ الحقوق من بوابة "قاتل أو مقتول"؟ فالألفية الثالثة حافلة بأشكال مختلفة من النضال الحقوقي المنزوع القتل والاقتتال. وفي مصر، تكللت سنوات طويلة من الكفاح الحقوقي بنصر كبير في عام 2003، فقد صدر قرار جمهوري يمنح الجنسية المصرية لأنباء المصريات المتزوجات من أجانب. في ذلك العام، تم تفعيل المادة الخاصة بمنح الجنسية في قانون الجنسية، والتي تعطي وزير الداخلية حق منح الجنسية المصرية لمن يستحقها وفق شروط محددة. وفي العام نفسه، حصل المئات من أبناء الأمهات المصريات المتزوجات من أجانب على الجنسية التي طال انتظارها. وفي العام التالي، صدر القانون رقم 154 لعام 2004، الذي ينص على أنه يكون مصرياً مَن وُلد لأب مصري أو لأم مصرية. وأضفى المشرّع الجنسية المصرية على أبناء الأم المصرية زوجة غير المصري وبقوة القانون. وعلى رغم اهمية هذا الإنجاز الحقوقي، إلا أنه ظل منقوصاً، اذ وضع استثناء منصوصاً عنه، بالإضافة إلى استثناء آخر تعرفه كل من تزوجت من سوداني أو فلسطيني، فقد سمح القانون بحصول الأبناء المولودين بعد صدوره على الجنسية المصرية، أما مَن وُلدوا قبل صدوره، فيتم التعامل معهم من خلال تقديم طلبات تجنُّس، وهو ما يعني تطبيق الشروط الواردة في القانون رقم 26 لعام 1975، الذي كان معمولاً به في هذا الشأن. وبحسب نصوص هذا القانون، يحق للمتقدم الحصول على الجنسية طالما أنه سليم العقل غير مصاب بعاهة تجعله عبئاً على المجتمع، ويحق لوزير الداخلية في حال رَفَضَ أي طلب عَدَمُ إبداء أسباب، وقد اعتبر مركز حقوق الطفل المصري ذلك انتهاكاً لحقوق ذوي الحاجات الخاصة. وتقدر منظمات حقوقية عدد أبناء المصريات الذين ولدوا قبل صدور القانون الجديد بنحو مليون شخص، عليهم، في حال رغبتهم في الحصول على الجنسية، تكبُّدُ عناء الإجراءات وكلفتها، بالإضافة إلى خضوعهم للقيود المفروضة عليهم. أما الاستثناءات المعروفة ضمناً، فهي تتعلق بأبناء المصريات المتزوجات من فلسطينيين. لكن قبل أشهر، صدر حكم تاريخي من قبل المحكمة الإدارية العليا يقضي بمنح الجنسية المصرية لأنباء المصرية المتزوجة من فلسطيني، وبأن امتناع وزارة الداخلية عن منح الجنسية لأبناء المتزوجة من فلسطيني لاعتبارات الحفاظ على الهوية الفلسطينية والاتفاقات المبرمة في جامعة الدول العربية، لم يعد وارداً. ومعروف أن القرار رقم 1547 الصادر عن جامعة الدول العربية عام 1959 نص على عدم منح جنسية أي من الدول العربية أعضاء الجامعة للفلسطينيين، وذلك حفاظاً على الهوية الفلسطينية. من جهة أخرى، أكد تقرير صادر عن هيئة مفوضي مجلس الدولة حق أبناء المصريات المتزوجات من فلسطينيين، معتبراً ان الحيلولة دون ذلك تعد خرقاً للقانون. واعتبر التقرير قرار الجامعة العربية السابق ملغيّاً في ضوء قانون الجنسية الجديد. لكنْ يظل حصول أبناء المصرية المتزوجة من فلسطيني أمراً صعباً وغير مضمون. وعلى رغم كل النقاط التي ما زالت في حاجة إلى مزيد من الضغط لتيسير الإجراءات، إلا أن حق الجنسية لأبناء المصرية يظل في مجمله علامة مضيئة على طريق نيل الحقوق في مصر، ووساماً على صدر كل من لعب دوراً في هذا النضال النسوي.