غريب تاريخ عقد المؤتمر السنوي للأقطار العربية المصدرة للنفط، في القاهرة (25 كانون الأول/ ديسمبر)، أي يوم عيد الميلاد الذي أصبح عيداً دولياً وليس فقط للمسيحيين. فهل يحتفل وزراء النفط العرب، وعدد منهم ليست بلاده عضواً في منظمة «أوبك»، بارتفاع سعر برميل النفط الى أكثر من 90 دولاراً؟ منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط (اوابك) غير معنية بمناقشة أسعار النفط ومستوى الإنتاج في العالم كونها تضم دولاً عربية مثل البحرين وسورية والسودان وعُمان ليست أعضاء في «أوبك». ف «أوابك» تناقش سنوياً موازنة المنظمة والمشاريع العربية المشتركة، إلا أن الدول فيها معنية باتجاه أسعار النفط، واليوم وسعر برميل النفط بلغ أكثر من 90 دولاراً وهو باتجاه الارتفاع، فإن دولاً عربية في «أوبك» و»أوابك»، مثل الجزائر أو سورية أو البحرين أو عُمان، كلها ترحب باستمرار ارتفاع أسعار النفط. غير ان التنبه ضروري الى ان أسعار النفط عندما تصل الى 120 أو 140 دولاراً (مثلما حصل في صيف 2008) قد تسيء الى مستقبل النفط. لا شك في أن ارتفاع أسعار النفط اليوم مرده الى العواصف الثلجية في أوروبا ونقص إمدادات السوائل لتذويب الجليد في المطارات والطرق الخ... فزيادة الطلب على النفط في الغرب ونمو الطلب في الصين، عوامل تؤدي الى ارتفاع أسعار النفط على رغم عدم وجود نقص في الإمدادات، فغالبية دول «أوبك» رفعت إنتاجها تمشياً مع هذا الطلب لكنها لم تغيّر رسمياً مستوى الإنتاج الذي اتفقت عليه في وهران، فهي تتكيف مع طلب زبائنها في وقت تحسن أسعار النفط، وهذا اصبح تقليداً للدول المصدرة للنفط عندما يكون سعر النفط جاذباً للبائع، لكنها في فترات هبوط السعر في إمكانها الإسراع في حمايته بخفض إنتاجها. يتوقع الخبراء والشركات النفطية في المدى الطويل، أي بعد خمس او ست سنوات من الآن، الدخول في عصر جديد من أسعار النفط أو الغاز المرتفعة، لأن الطلب سيزداد والبدائل مهما كان الإسراع في تطويرها لن تكون في المدى البعيد بديلاً فعلياً للنفط والغاز لأن نسبتها ستبقى ضئيلة في استهلاك الطاقة على الصعيد العالمي. فمن حظ الدول التي لديها نفط وغاز ان تدخل في مثل هذا العصر الذي لن يشهد تراجعاً في الأسعار. قال أحد الخبراء في أحد المؤتمرات يوماً: «تصوروا لو ان كل مواطن صيني لديه سيارة، ماذا يحصل باستهلاك البنزين والمشتقات النفطية؟ فهل نتصور ان الصين بعدد سكانها (1.326 بليون) ونمو سكانها سنوياً (11.84 مليون) الذين يمثلون 22 في المئة من عدد سكان العالم، تشهد استخدام كل مواطن فيها سيارة، فماذا يحدث لاستهلاك النفط؟». النفط والغاز سيبقيان مصدرين أساسيين في الاستهلاك العالمي، لكن ارتفاع الأسعار الى مستويات 140 و150 دولاراً للبرميل قد يسرّ بعض الدول، لكنه في المدى الطويل يجعل تطوير بدائل الطاقة أسرع. والنفط يخدم أحياناً أنظمة تستخدمه لأغراض مسيئة على الصعيد الإقليمي أو العالمي وليس لمصلحة شعوبها، مثل إيران وليبيا، فأين وضع الشعب الإيراني (75 مليوناً) اليوم؟ وكيف يفسر النظام الايراني انه يستورد الغاز من تركمانستان ويرفع دعم البنزين وغيره؟ وليبيا التي موّلت تفجير طائرات ودفعت تعويضات لعائلات الضحايا وأخفت الإمام موسى الصدر، هل تفيد شعبها من هذه الأموال؟ النفط والغاز ثروتان طبيعيتان ينبغي ان يستفاد منهما لحياة كريمة لشعوب الدول النفطية، ولسوء الحظ تتفاوت الدول النفطية في تطبيق هذا المبدأ، علماً ان البعض منها مثل السعودية وقطر والإمارات والكويت أحسنت الاستفادة لتطوير بنيتها التحتية وظروف الحياة فيها.