اجرت الإدارة الأميركية في الآونة الأخيرة محادثات مكوكية، في المنطقة، في محاولة لاستئناف المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة للحؤول دون انهيارها الأمر الذي يلقي بتبعات كبيرة. وسبق هذه المباحثات، جهد أميركي وصفه البعض بالكبير، عندما حاولت أميركا إقناع إسرائيل بتجميد موقت للأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية. ولكن هذه الجهود فشلت. وبالابتعاد عن أسباب الفشل يمكن القول إن التعنت الإسرائيلي بوضع شرطين هما: لا تجميد ثالثاً وألا يشمل التجميد البناء في القدسالشرقية، إضافة الى عدم ضغط الإدارة الأميركية على إسرائيل لإجبارها على الموافقة، كل ذلك سبب هذا الفشل. والرسالة التي تريد حكومة نتانياهو إيصالها هي أن الحكومة الإسرائيلية وحماية ائتلافها أهم من أي سلام في المنطقة. وعلى رغم ذلك طرحت الوزيرة هيلاري كلينتون الخطوط العريضة لإدارتها حول المرحلة المقبلة من مفاوضات السلام. لكن ما هو الموقف الفلسطيني من كل ما حصل؟ هنا يصدر هذا الموقف وعلى غير العادة بصورة جلية واضحة تحت عنوان لا مفاوضات مع استمرار الاستيطان. وهذا الموقف مكرر لا جديد فيه، ولكن الجديد أنه اتخذ قبل التوجه إلى الجامعة العربية ولجنة متابعتها. حيث اجتمعت اللجنة المركزية لحركة «فتح» صاحبة القرار داخل المنظمة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وسبقهما اجتماع للمجلس الثوري الذي دعم موقف المنظمة وكل ذلك قبل عقد اللقاء مع الأشقاء العرب. وهذا يدل على أن الموقف الفلسطيني هذه المرة مختلف عن المواقف السابقة بطريقة اتخاذه. وما يدلل على ذلك، توجه المبعوث الأميركي جورج ميتشيل إلى القاهرة في محاولة من إدارته للتأثير على الموقف العربي لثني الجانب الفلسطيني عن موقفه. ولكن رغم كل ذلك عقدت لجنة المتابعة العربية اجتماعها الخامس وأعلنت انطلاقاً من الموقف الإسرائيلي الذي يتعارض مع قواعد القانون الدولي، ومع متطلبات تحقيق السلام، ومن فشل الوسيط الأميركي في تحقيق نتائج لمساعيه. ترى اللجنة أن مسار المفاوضات أصبح غير مجدي وتقرر عدم استئناف المفاوضات، وأن يكون استئنافها رهناً بتلقي عرض جاد يكفل إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي وفقاً لمرجعيات عملية السلام. وللوهلة الأولى هذا موقف غير متوقع ويختلف عن المواقف السابقة، التي كانت تعيد الكرة إلى الملعب الفلسطيني في قبول المفاوضات أو عدمها، مع الدعم العربي لهذا الموقف الذي سيتبناه الفلسطينيون. ولم يكتفِ العرب بذلك بل أبرقوا لمندوبيهم في الأممالمتحدة لطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة جزئية الاستيطان كمرحلة أولى لجس نبض المجتمع الدولي ثم عرض ملف القضية الفلسطينية كاملاً عليه. إضافة إلى طلب عقد اجتماع يضم اللجنة الرباعية الدولية مع لجنة مبادرة السلام العربية للتباحث في القضية الفلسطينية. وهنا تبدو حقيقة واضحة هي هذا الموقف المتأخر الرافض لعملية سياسية لا تستند الى مرجعية تعتمد على القرارات الدولية. لكن على ماذا يعول العرب؟ هل هم يعولون على المجتمع الدولي في تأييده لهم في مجلس الأمن كما أشار إلى ذلك رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم عندما قال فلتعارض أميركا هذا التوجه ولتقف في وجه إرادة المجتمع الدولي في شأن الاستيطان، ولتبدو مؤيدة لمخالفة القانون الدولي. إذا كان من المؤكد أن الإدارة الأميركية سترفض الإدانة أو توجيه أي إنذار أو فرض لوقف الاستيطان عبر أي هيئة أو مجلس من دون تسوية الموضوع من قبلها بالتعاون مع إسرائيل. فخيار الذهاب إلى مجلس الأمن واضح لكن لا جدوى منه. وإذا كان التعويل هو على المجتمع الدولي فعلى المتابع قراءة الموقف الأوروبي بالتحديد عقب اجتماع مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي عندما أعلنوا أن الاتحاد الأوروبي سيعترف بالدولة الفلسطينية في الوقت المناسب. مع التأكيد الدائم على عدم شرعية الاستيطان ومخالفته للقانون الدولي. ولكن هذا الموقف ما مدى ترجمته على أرض الواقع؟ أما بالنسبة الى الاجتماع مع اللجنة الرباعية فقد اجتمعت اللجنة مرات عدة واتخذت قرارات وكان لها مواقف عدة منها المطالبة بوقف الاستيطان الذي اعتبرته غير شرعي قبل اعتبارها القدسالشرقية أرضاً محتلة وغير ذلك. ولكن موقفها مماثل للموقف الأوروبي. لا نتائج ملموسة لهما على الأرض في ظل الانحياز الأميركي الواضح إلى جانب إسرائيل. أما الخيار الأكثر جدية فهو قرار عدم استئناف المفاوضات. الذي سيجبر الإدارة الأميركية إن كانت صادقة في توجهاتها على البحث عن عروض لمفاوضات جادة كما طالب العرب. ولكن ماذا لو غيّر العرب موقفهم بطريقة ما وعادوا وغطوا دخول الجانب الفلسطيني في أي مفاوضات مقبلة بأي غطاء. وهذا الأمر احتمال حدوثه واقعي بناء على مواقف سابقة للجامعة العربية ولجنتها. أما في حال سلك العرب كل هذه الدروب وبقيت المفاوضات متجمدة فما هو الوضع في المنطقة. الجميع يتحدثون عن أن البديل لعملية السلام هو العنف وزيادة التطرف. ولكن جميع المحذرين لم يقوموا بتحرك جدي لدفع عملية السلام إلى أمام. أما بالنسبة الى العرب فالمطلوب هنا ليس إعداد العدة والجيوش في ظل الوضع العربي المتردي، بل تحرك ديبلوماسي عربي قوي مبني على تأثير حقيقي مستند الى إستراتيجية عربية قوية قائمة على لغة المصالحة التي تتعامل بها الإدارة الأميركية لدفعها إلى تحريك الملف بما يحقق أو على أقل تقدير يلبي الحقوق العربية والفلسطينية. فما الذي غيَّر الموقف العربي، ودفعه إلى هذا التوجه؟ وهل اقتنع بأن مواقفهم السابقة بإعطاء الفرص قد انتهت؟ ان على العرب في هذه المرحلة، مساندة مصالح الأطراف العربية، وذلك بتوحيد موقفهم في إستراتيجية فاعلة تستند بالدرجة الأولى على دعم المقاومة بشتى صورها، وتكون مبنية على قواسم مشتركة ملبية مصالح الجميع كخلاص لهذا الوضع العربي المنقسم، ومن ثم العمل من الناحية الديبلوماسية ولغة المصالح التي لا يفهم العالم سواها للتأثير في المواقف الدولية مما يجبرها على تغيير مواقفها.