جولة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري برفقة وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف وقائد الجيش العماد جوزيف عون على المواقع الأمامية الجنوبية في مواجهة المواقع العسكرية الإسرائيلية في منطقة العمليات المشتركة للجيش اللبناني وقوات ل «يونيفيل» في جنوب الليطاني، كانت موضع اهتمام من قبل سفراء الدول الأجنبية والعربية المعتمدين لدى لبنان الذين تعاملوا معها - كما تقول مصادر ديبلوماسية غربية ل «الحياة» - على أنها رسالة لمن يعنيهم الأمر بأن لا عودة الى تفلت السلاح في هذه المنطقة المحمية من أعلى مرجعية دولية أخذت على عاتقها تطبيق القرار الدولي 1701 من جهة، وتعزيز دور الجيش في بسط سيطرته عليها من جهة ثانية. فالحرص الذي أبداه الحريري في أن يبدأ جولته من مقر قيادة ل «يونيفيل» في الناقورة على عدد من المواقع العسكرية للجيش اللبناني الواقعة على الخط الأزرق يشكل رسالة رسمية لبنانية من رئيس الحكومة، بالنيابة عن الدولة اللبنانية، بأن لا مجال للعودة الى المربع الأول في منطقة الانتشار المشتركة للجيش اللبناني و «القوات الدولية» باعتبار أنه الأقدر - بحسب المصادر نفسها - للتعبير عن موقف السلطة اللبنانية الراغبة في توفير شبكة الأمان الأممية لهذه المنطقة من خلال دور القوات الدولية. استعجال الجولة وكان من الطبيعي أن يستعجل الحريري في التجوال على الخط الأزرق لمنع ردود الفعل الدولية حيال العراضة الإعلامية التي نظمها «حزب الله» لعدد من الإعلاميين من أن تتهادى سلبياً في اتجاه طرح مجموعة من الأسئلة، أبرزها، اين مصلحة لبنان في غض النظر عن الخروق التي تسببت به هذه العراضة للخط الأزرق ومن خلالها للقرار 1701 الذي ينص على منع كل أشكال المظاهر المسلحة وحصر الحضور العسكري في هذه المنطقة بالشرعية اللبنانية بالتعاون مع الشرعية الدولية المستمدة من حضور القوات الدولية. وفي هذا السياق لفتت المصادر الديبلوماسية ذاتها الى أن الحريري أراد من جولته على الخط الأزرق تأكيد حضور السلطة اللبنانية بقواها العسكرية، وأن لا سلاح آخر في منطقة العمليات المشتركة إلا السلاح الشرعي بالتآخي مع سلاح الأممالمتحدة. وقالت إنه رغب أيضاً في تمرير رسالة للمجتمع الدولي على أن لبنان ليس عصياً على قرارات الأممالمتحدة، وأن «العراضة الإعلامية» ما هي إلا حالة عابرة غير مرغوب فيها ولن تؤثر في حرص السلطة اللبنانية على تطبيق القرارات الدولية. وقالت إن الحريري أحسن في توجيه رسالته الى المجتمع الدولي لعله ينجح في أن يزيل ما علق في ذهن الأممالمتحدة من تداعيات سلبية على خلفية خرق القرار 1701، واعتبرت أن ترحيب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة سيغريد كاغ بزيارة رئيس الحكومة الى الجنوب رداً على الزيارة الإعلامية التي نظمها ورعاها «حزب الله» لعدد من الإعلاميين، ما هو إلا رسالة تعكس استمرار الشراكة بين حكومة لبنانوالأممالمتحدة دعماً لاستقرار البلد وأمنه. وأكدت المصادر الديبلوماسية هذه أن الحريري لم يكتف بزيارته الجنوب لتأكيد تمسك الحكومة اللبنانية بوجود المرجعية الدولية ممثلة بالقوات الدولية، بل بادر الى تشغيل محركاته في اتجاه عدد من السفراء العرب والأجانب رغبة منه في عدم المساس بشبكة الأمان الدولية للبنان لأن اهتزازها من شأنه أن يشرع الأبواب للعدوان الإسرائيلي مع ان تل أبيب لا تبحث عن أعذار لتهديد الاستقرار في لبنان وهي تواصل خروقها للخط الأزرق. وتوقفت أمام قول الحريري إن حكومته تطمح الى استعادة الثقة بلبنان، وقالت إنها لا تتأمن إلا بإجماع اللبنانيين على تحصين بلدهم في الداخل وأيضاً حيال الخارج المقصود به إسرائيل التي لا يروق لها أن ينعم بالاستقرار والهدوء. واعتبرت أن «استعادة الثقة» تستدعي الالتفات الى الأخطار الخارجية التي تهدد لبنان وتحييده عن الحروب المشتعلة من حوله ولا تبرر مهما كان الذرائع العبث بأمن الجنوب واستقراره، وقالت إن زيارة الحريري الجنوب لعبت دوراً في خفض منسوب مساءلة لبنان من قبل المجتمع الدولي حيال العراضة الإعلامية التي نظمها «حزب الله». هدف الجولة الإعلامية وسألت المصادر الديبلوماسية الغربية ما إذا كان تصرف «حزب الله» ينم عن توجيه رسالة للدول الغربية والولايات المتحدة تتضمن احتجاجه المباشر على حملاتها ضد إيران وتحذير هذه الدول من تمدد هذه الحملات الى عدد من دول المنطقة. كما سألت إذا كان «حزب الله» يخطط من خلال رعايته المباشرة للعراضة الإعلامية لتهيئة الأجواء أمام انسحاب قواته تدريجياً من سورية على أمل أن يستعيد «مشروعيته» في قتاله لإسرائيل خصوصاً أن أمينه العام السيد حسن نصر الله كان ركز في خطبه الأخيرة على رفع مستوى جاهزية الحزب في مواجهة إسرائيل في حال قيامها بأي عدوان على لبنان. وفي المقابل، لم تستبعد المصادر نفسها أن يكون الحزب من خلال رعايته للعراضة الإعلامية في وارد اختبار ردود الفعل المحلية والدولية التي لم تصب لمصلحته مع ان الموقف الرسمي منها اقتصر على رئيس الحكومة الذي هو بمثابة الناطق الرسمي باسمها. فهل يبادر «حزب الله» الى مراجعة حساباته مع أن ردود الفعل على فعلته الاستعراضية بقيت محصورة وكأن هناك من سعى سراً الى استيعابها وتطويق ردود فعلها لقطع الطريق على إغراق البلد في دورة جديدة من السجال والتجاذب أين منها السجالات التي ما زالت تتوالى حيال قانون الانتخاب الجديد الذي لا يزال بعيد المنال. لكن يبقى الأهم في جولة الحريري ما يتعلق بالأجواء الدولية والعربية حول ضرورة التحسب من إقدام إسرائيل على خطوة حمقاء تستهدف لبنان يفترض بالأخير أن لا يوفر لها الذرائع مع انها في غالب الأحيان ليست في حاجة اليها. تحذيرات أردنية فهذه التحذيرات من احتمال قيام إسرائيل باستهداف لبنان لم تصل اليه مشفرة أو في حاجة الى تفكيك رموزها، وإنما سمعها رئيس الجمهورية ميشال عون مباشرة من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في حضور الحريري في اللقاء الذي جمعهما به على هامش استضافة الأردن القمة العربية. وتتقاطع التحذيرات الأردنية مع تحذيرات دولية مماثلة لم ينفك عن إطلاقها عدد من سفراء الدول الكبرى لدى الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي الذين أوصوا في رسائلهم لبنان بضرورة الحيطة والحذر من جهة، وبوجوب تجنب القيام بأي عمل عسكري غير مدروس في جنوبلبنان من جهة أخرى، في إشارة الى «حزب الله» الذي تعرضت مواقعه في سورية لعدد من الغارات للطيران الحربي الإسرائيلي. وبكلام آخر يوصي المجتمع الدولي لبنان بأن يبقى الجميع تحت كنف الشرعية اللبنانية وألاّ ينفرد أحد بأي عمل يمكن أن يتسبب بتهديد الاستقرار في جنوبه، خصوصاً أن تل أبيب تتربص به على الكوع وتنتظر الذرائع لشن عدوان عليه. فهل يتعامل «حزب الله» مع هذه التحذيرات بجدية ويأخذها على محمل الجد لا سيما أن الحريري عندما توجه الى الجنوب لم يغب عن باله إعادة الاعتبار لشبكة الأمان الدولية من خلال رسالته بأن «الجيش اللبناني وحده المكلف حماية الحدود والذي يدافع عنا بصفته القوة الشرعية التي لا قوة فوق سلطتها ولا أجندة في لبنان خارج هذه الأجندة». وعليه يمكن القول - بحسب المصادر الديبلوماسية الغربية - إن رسالة الحريري من منطقة العمليات المشتركة للجيش والقوات الدولية في جنوب الليطاني حققت أهدافها وكبحت جماح ردود الفعل الدولية المعترضة على هذه العراضة، فهل يبادر «حزب الله» الى التعاطي معها وكأنها أسدلت الستار على عراضته في ضوء تحذيره إسرائيل بأنه على استعداد للرد على أي عدوان؟ مسك الختام في جولة الحريري على الخط الأزرق كان في صور، حيث أقام المعاون السياسي لرئيس البرلمان الوزير علي حسن خليل مأدبة غداء جامعة على شرفه ومجرد استضافة الحريري في صور تأكيد على تجاوز ارتدادات ما ترتب على العراضة الإعلامية وهذا هو التفسير لمشاركة الوزير في «حزب الله» محمد فينش فيها. فهل أن خليل فعلها ليوحي أنها «بروتوكولية» وأن لا مغزى سياسياً لتكريمه في صور؟ تكريم خليل للحريري ما هو إلا رسالة تضامن مع جولته على الخط الأزرق ومن دون رد فعل سلبي من «حزب الله» وإلا لماذا لبى فنيش دعوته. وأخيراً فإن جولة الحريري من منظار دولي وعربي -كما تقول المصادر الديبلوماسية- من شأنها أن تعود بالوضع في جنوب الليطاني الى ما كان عليه قبل العراضة الإعلامية.