وجدت الحكومة المصرية نفسها أمام مأزق شديد في ظل إصرار أصحاب سيارات النقل الثقيل على مواصلة إضرابهم عن العمل للضغط عليها من أجل إلغاء قرارات يرونها «مجحفة» في حقهم وتسبب لهم خسائر مالية باهظة. وخلّف هذا الإضراب تبعات سلبية على الأسواق في ظل ارتفاع تكلفة نقل السلع خصوصاً الاستراتيجية منها. وكان أصحاب سيارات النقل الثقيل أعلنوا إضراباً عن العمل بعد إعلان مسؤولين في وزارة المال رفع قيمة الأعباء الضريبية المفروضة عليهم ومطالبتهم بسدادها بأثر رجعي، إلا أن رئيس الوزراء أحمد نظيف نفى أن تكون الحكومة اتخذت مثل هذا القرار وطمأن أصحاب سيارات النقل بأن لا أعباء ضريبية إضافية عليهم. إلا أنهم، على رغم ذلك، واصلوا إضرابهم للمطالبة بإلغاء قرار استبدال «المقطورات» التي تجرها سيارات النقل الثقيلة بشاحنات قاطرة (تريلات)، وهو القرار المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في آب (أغسطس) 2012. وكانت الحكومة أمهلت أصحاب سيارات النقل الثقيل حتى آب (أغسطس) المقبل لتنفيذ القرار، وأكدت أنه لن يتم بعد هذا التاريخ استخراج تراخيص للمقطورات. ويرفض أصحاب المقطورات تنفيذ هذا القرار لما يترتب عليه من خسائر مالية سيتكبدونها من أجل استبدال المقطورات ب «تريلات». وقال محمد شعيب (42 عاماً)، وهو صاحب سيارات نقل ثقيل، إن «الحكومة تأخذ قرارات ولا تدرس مردودها على المعنيين بها (...) حين قرروا إلغاء المقطورات: هل بحثوا حجم الخسائر المالية التي سنتكبدها؟ إنهم يتحدثون عن حوافز مالية بآلاف الجنيهات فيما سنخسر مئات الآلاف، في وقت نعاني أصلاً من مصاعب مالية». وأوضح أن قطاع النقل الثقيل في مصر غير مؤهل لتنفيذ هذا القرار لأن آلاف السيارات تعتمد على المقطورات وليس «التريلات». ويمثّل قطاع النقل الثقيل نحو 15 في المئة من إجمالي عدد المركبات في مصر والتي يصل عددها إلى أكثر من 5 ملايين سيارة منها نحو 900 ألف سيارة نقل ثقيل 61 ألفاً منها تعتمد على المقطورات. واتخذ قرار إلغاء المقطورات قبل سنتين في محاولة للحد من حوادث الطرق التي تسببها هذه المقطورات. لكن وكيل لجنة الأمن القومي في البرلمان السابق والعضو في البرلمان الحالي اللواء أمين راضي أوضح ل «الحياة» أن المقطورات ليست سبباً رئيساً في هذه الحوادث. وقال: «الحوادث تسببها الحمولات الزائدة وأخطاء السائقين والطرق، ومن ثم تجب السيطرة على الأسباب الحقيقية للحادث بعيداً من الحديث عن عوامل الأمان في المقطورات». وتساءل: «كيف تعد الحكومة أصحاب المقطورات بقروض لتوفيق أوضاعهم وهم أصلاً يسددون أقساط المقطورات التي يراد إلغاؤها!». وأشار إلى أنه تقدم بطلب إحاطة عاجل لوضع حل لأزمة أصحاب المقطورات، داعياً الحكومة إلى دعم أصحاب المقطورات لا إقراضهم. وتساءل: «هل وفّرت الحكومة بدائل لنقل مئات آلاف الأطنان التي تقلها هذه المقطورات حتى لا ترتفع الأسعار كما هو حاصل؟». وارتفعت أسعار بعض السلع الاستراتيجية نتيجة ارتفاع أسعار نقلها في ظل إضراب أصحاب سيارات النقل الثقيل، إذ اضطر منتجون وموزعون إلى نقل بضائعهم في سيارات نقل صغيرة على حمولات عدة بسبب الإضراب، ما رفع من كلفة النقل، خصوصاً أن المضربين هددوا زملاءهم من رافضي الانضمام الى الإضراب بتحطيم سياراتهم في حال نقلهم أي بضائع في محاولة منهم لتعظيم أثر الإضراب في الأسواق. وبالفعل ارتفعت أسعار مواد البناء متأثرة بالإضراب. وقال صاحب سيارات النقل محمد شعيب إن الإضراب الحالي «لن يتم فكه قبل تعهد حكومي واضح بإمهالنا 5 سنوات لتنفيذ قرار الاستبدال». لكن مصدراً حكومياً أكد ل «الحياة» استحالة مد المهلة «لأن الرئيس (حسني) مبارك طلب شخصياً وفي جولة علنية بعدم مد المهلة، ولا بد للحكومة من الامتثال لهذا الأمر». وأوضح أن الحكومة لا تزال تبحث خياراتها لحل هذه الأزمة، لكنه استبعد تعويض أصحاب المقطورات بمبالغ تعادل قيمة مقطوراتهم. وقال: «نستطيع إقراضهم من دون فوائد من أجل تحويل هذه المقطورات إلى «تريلات» (...) لا نقول اخسروا أموالكم ولكن وفّقوا أوضاعكم، وحولوا هذه المقطورات إلى «تريلات» والدولة ستساعدكم بالمال، وإلا سنتجه إلى البحث عن حلول لنقل البضائع المكدسة ونترك أصحاب المقطورات لإضرابهم الذي سيتحول منعاً عن العمل في آب (أغسطس) المقبل (...) لا يجوز لأحد تحدي سلطة الدولة وهيبتها».