يطلق وكيل إمارة منطقة جازان الدكتور سعد المقرن اليوم (الخميس)، شارة البدء إيذاناً بتدشين واحد من أهم المهرجانات في جنوب غربي السعودية، مهرجان صيد سمك الحريد. ويقصد «الحريد»، الذي يسميه الأهالي «ببغاء البحر»، سواحل أرخبيل فرسان الذي يبعد عن شاطئ جازان حوالى 50 كيلومتراً، في رحلته السنوية بحثاً عن الدفء ولوضع بيوضه في خليج الحصيص، وهو عبارة عن مياه ضحلة ودافئة تساعد في عملية التبييض. ويستعد سكان الأرخبيل وزواره من داخل المملكة وخارجها، للمهرجان في مناسبة سنوية يتهيأون فيها للاحتفاء بوصول هذا النوع من السمك الذي لا يتجاوز طوله 40 سنتيمتراً، ويمتاز بخلوه من الأشواك، إضافة إلى وداعته، وتقام فاعليات تراثية وأهازيج مصاحبة يشهدها خليج الحصيص وتوارثها الفرسانيون منذ مئات السنين. وتبدأ الفاعليات عند شروق الشمس حين يكون البحر في حال الجزر (العراء)، إذ يتوافد محبو صيد «الحريد» على الخليج، ويبدأ الجميع بنصب الشباك (الدور) لاصطياد مجموعات الأسماك التي تجوب الخليج وتظهر كبقعة سوداء عائمة في المياه، ويطلق عليها أهالي فرسان «السواد». ويقوم الصيادون، بعد أن يحكموا إغلاق الشباك على المجموعات، بجرها إلى موقع قريب من الشاطئ، إذ ينتظر على طرفه الأهالي والمشاركون في المهرجان متأهبين للظفر بما يستطيعون من هذه الأسماك. وعند الانتهاء من تجميع الأسماك يتم وضع أغصان من شجر النبق (الكسب) ليتوجه إليها السمك ويسهل اصطياده، في الوقت الذي يقف فيها آلاف المتسابقين منتظرين إشارة الانطلاق، ويتسابق الجميع بعد سماعها لموقع تجمع الأسماك حاملين معهم مصائد. ويخرج كل متسابق بنصيبه من «الحريد»، فيأكلون بعضها ويهدون البقية إلى الأهل والجيران والأصدقاء. ويتعدى الاحتفال الرجال في الساحل، إلى البيوت، إذ تقدم النساء السمك هدايا للمتزوجين الذين لم يمض عاماً واحداً على زواجهم. ويشكل المهرجان فرصة للتعريف بإمكانات الجزيرة التي تشهد تطوراً متنامياً، إلى جانب ما تتفرد من المواقع السياحية والأثرية المميزة والجزر المتناثرة التي تجعل من أرخبيل فرسان موقعاً سياحياً فريداً ووجهة سياحية مميزة على مستوى المملكة. وتشارك جهات عدة في تنظيم المهرجان، منها: مجلس التنمية السياحي في المنطقة، والاتحاد العربي السعودي للألعاب البحرية، وفرع الهيئة العامة للسياحة والآثار، إضافة إلى إدارات حكومية وأهلية. ويقيم الاتحاد السعودي للرياضات البحرية فاعليات مصاحبة، منها «الجت سكي» و«فلاي بورد»، تستقطب آلاف المشاركين بعضهم من دول الخليج. وإلى جانب صيد «الحريد» تقام فاعليات أخرى على هامش المهرجان، ففي هذا العام تشارك 25 أسر منتجة من الحرفيات بعرض إنتاجهن من الأعمال اليدوية والتراثية والمشغولات الحرفية والنسيج والتطريز وصناعة البخور والعطور، وتصميم طابعات، ونقش الحناء، والإكسسوارات، وصناعة رخام الصدفات، والطباعة والعسف، والتطريز والخياطة، والمأكولات الشعبية التي تمثل أبرز ما تمتاز به فرسان. وتتضمن الفاعليات، التي تستمر طوال فترة المهرجان، مسابقات ثقافية ومسرح للطفل وفنون شعبية، منها فن الدانة الفرسانية، وأمسيات شعرية، إضافة إلى الألعاب والمسابقات البحرية والشبابية والحفل الثقافي. وتتزين الجزيرة طوال أيام المهرجان بعقود الإضاءة الليلية، فيما ترتسم علامات الفرح على محيا أهالي فرسان مرحبين بالضيوف، فيما تزيد حركة البيع والشراء في المحال التجارية، وتسجل الفنادق والشقق المفروشة نسبة أشغال كاملة، وتشهد محال بيع الأسماك الطازجة إقبالاً كبيراً من الزوار. وتخطى المهرجان الحدود المحلية للمشاركات، وسجل حضور سياح من دول الخليج ودول أوروبية للمشاركة في هذه التظاهرة، وأبدى القنصل العام الفرنسي السابق لدى المملكة الدكتور لويس بلين، خلال مشاركته في المهرجان في نسخة سابقة، سعادته بذلك. وقال بلين: «ما شاهدته من فاعليات يعكس مدى اهتمام وحرص أبناء محافظة فرسان ومنطقة جازان على الاحتفاء بهذه الظاهرة لتي تشهدها فرسان مرة واحدة في كل عام»، مضيفاً أن «هذه الجزيرة رائعة الجمال والاحتفالية تعكس مدى الحس والثقافة التي يتمتع بها سكان فرسان وتمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم وحفاظهم على تراثهم».