أسّس الفنان الجزائري المصري الجذور أبو لاغرا الخليّة المعاصرة لفرقة الباليه الوطني الجزائرية، وهو في إطارها يخرج استعراضاته الراقصة المبنية على المزج الماهر بين الشرق والغرب. ويُقسم العرض الذي يقدمه عادة إلى جزأين أولهما عبارة عن باليه على أنغام موسيقى غربية كلاسيكية شهيرة، والثاني مكوّن من رقصات على الموسيقى النابعة من التراث الجزائري الشعبي. أما نهاية العرض فتتكون من خليط بين الجزأين، وهنا تكمن براعة وعبقرية أبو لاغرا الذي يجعل من الألحان العربية والغربية لحناً جديداً واحداً غالباً ما يشبه موسيقى «الهيب هوب» الحديثة ويرقص عليها أفراد الفرقة معبّرين عن الإندماج الكلي بين الثقافتين. ويقدّم أبو لاغرا حالياً عرضاً بعنوان «نية» على إيقاع موسيقى «بوليرو» الكلاسيكية لرافيل، وعلى إيقاع أغاني الفنانة الجزائرية المعروفة حورية عايشي. وفي هذا الاستعراض اختار أبو لاغرا أن يحوّل النغمات إلى «هيب هوب» منذ البداية، أي أنه حول موسيقى رافيل إلى هذا اللون الحديث قبل أن يفعل الشيء نفسه مع أغاني عايشي في القسم الثاني وثم يمزجهما في المشهد الختامي. والعرض إذاً كله عبارة عن «هيب هوب» من أوله إلى أخره ولكن في أسلوب مدهش يترك صوت عايشي مثلما هو في الأساس بنبراته البلورية. ويسمح للمتفرج المستمع بالتمتع بروعة «بوليرو» رافيل وإذا كانت تتخذ هنا حلة استثنائية. ولا يكتفي أبو لاغرا بدمج الموسيقى وتقديمها بقالب معاصر، فهو يعتمد الشيء نفسه في الديكور وأزياء الراقصين وهم كلهم رجال. يرتدون البزة الغربية المستقيمة الأنيقة طوال الجزء الأول من العرض، ثم فور أن تنقلب الموسيقى إلى عربية ويظهر صوت حورية عايشي، يخلعون أكمام ستراتهم ويتخلصون من ربطات العنق ويفكون حزام البنطلون محولين الزي إلى صدار وسراويل على الطريقة العربية الأصيلة، وذلك كله أثناء الحركة الراقصة. ويبقون كذلك في الجزء الثالث أيضاً الذي يمزج بين الغرب والشرق مسلطين الضوء على سيطرة الجانب الشرقي في رقصاتهم. ويتبع الديكور الأسلوب نفسه بما أنه عبارة عن جدران مجردة من أي زخرفة في البداية سوى حلقات من النور تسلط عليها من السقف، وهي تغطى فجأة في الجزء العربي بسجاد أزرق على الطريقة العربية يهبط بدوره من السقف حاله حال الإضاءة، ويتخذ مساحة الجدران بكاملها وذلك إلى نهاية العرض. واختار أبو لاغرا أفراد فرقته العشرة من بين 400 تقدّموا للمشاركة في العرض من الجزائر. وكلهم تعلموا أصول الرقص في الشارع أو بواسطة ما يقدم على شبكة الإنترنت، ولا يوجد بينهم من تخرج في معهد متخصص أبداً. واكتشف أبو لاغرا فيهم الموهبة الأصيلة، ففتح أمامهم باب فرقته أو خليّته مثلما يهوى تسميتها والتي تعتبر بمثابة مدرسة ومختبر للتجارب الاستعراضية تنتج من العمل فيها مسرحية راقصة جديدة مرة كل ثلاث أو أربع سنوات تطوف الجزائر والمنطقة العربية. إلا أن باريس استقبلت حديثاً ولأول مرة خلية أبو لاغرا واستعراضها «نية» وجاءت النتيجة مجزية، بما أن الحضور تميز بكونه يشبه العرض أي عبارة عن خليط عربي غربي من المتفرجين صفقوا بحرارة في الختام فاتحين شهية أبو لاغرا والفنانين العشرة على إقامة جولة أوروبية واسعة في المستقبل القريب. أما حب أبو لاغرا للرقص فهو وفق اعترافه يأتيه في الأصل من مشاهدته الراقصات الشرقيات المصريات من سامية جمال وتحية كاريوكا إلى سهير زكي ونجوى فؤاد وغيرهن، فهن ربّين فيه «فيروس الهز» كما يقول. إلا أنه طبق هذا الرقص على أجساد الرجال مثلما يتسنى ملاحظته لكل من يشهد عروضه.