«أحاول أفكر وأفكر وأفكر»، ترجلت أم أمل من سيارة الأجرة (الليموزين) وهي تردد هذه الأغنية، ولم تنفك من ترديدها حتى استقلت المصعد في البناية التي يقع فيها مقر عملها، حيث استوقفتها إحدى زميلاتها مستغربة من «روقانها» الصباحي غير المعتاد هذا. «هكذا كل من يستقل سيارات الأجرة لابد أن يروق باله»، تقول أم أمل لصديقاتها، مضيفة «اخرج من بيتي معكرة المزاج، وحين استقل سيارة الأجرة، اسمع أجمل الأغاني التي تريح أعصابي، وتدخلني في جو من النشاط». وتوضح ذلك متابعة: «حين اركب في سيارة أخي ليوصلني إلى مقر عملي، يكون المشوار طويلاً ثقيلاً، ونشعر بالتثاقل حتى عن مد أيدينا لتشغيل مذياع السيارة أو مسجلها، وإذا انتهى المشوار أصل إلى مقر عملي ثقيلة الخطوات معكرة المزاج، بينما حين اذهب لعملي صباحاً بسيارة الليموزين، تتراقص بي على أجمل الأغاني حتى أصل». ويمكن فهم سر هذا النشاط والحيوية التي يمنحها الليموزين لزبائنه، بفهم طبيعة عمل سائق الليموزين الذي يجب أن يصحو مبكراً، وينطلق بلا كسل ولا ملل لاصطياد الزبائن وقتل الوقت بالاستماع إلى الأغاني المتنوعة، وهذا ما تؤكده أم أمل قائلة إنها لا تعرف الأغاني الجديدة إلا من الليموزين. وكذلك توافقها الطالبة في جامعة الملك عبدالعزيز نجود سليمان. وتقول: «حين اخرج من الجامعة لا استطيع أن أصف الزحام الشديد وقت الظهيرة وضغوط المهمات العالقة في رؤوسنا، لكنني حين استقل سيارة الليموزين وتبدأ نغمات الأغاني ترن في أذني يضيع الزحام ويقصر الوقت، فلا أصل منزلي إلا وأنا صافية المزاج، حتى إنني دخلت إحدى المرات على أسرتي وأنا اردد أغنيه هندية، وظللت وقتاً طويلاً إلى أن تخلص لساني من ترديدها». أما فجر الحارثي وهي موظفة في إحدى الشركات فأكدت أيضا أن سائق الليموزين الذي يوصلها إلى العمل يحرص كثيراً على شراء الأغاني الجديدة أولاً بأول، إضافة إلى تعطير سيارته وتظليلها، وهذا ما دفعني للاستمرار معه منذ أكثر من عامين. وتضيف الحارثي: «سائقي نظيف وذو مزاج عال في الأغاني، وعلى رغم أنه من الجنسية الهندية فهو حريص على سماع الأغاني الخليجية وشرائها أولاً بأول، طمعاً في إرضائي، ويحرص كذلك على البرنامج الصباحي في الراديو، لذا أجد نفسي مطلعة على كل شئ بسببه». وبين شوارع جدة استقلت «الحياة» سيارة أجرة مع السائق الهندي محمد راج، فقال بلهجة مكسرة: «أكثر زبائني هم من بنات الجامعة أو ربات البيوت»، مضيفاً «بمجرد صعودهن معي يطلبن مباشرة تشغيل الأغاني، فأكون جاهزاً». ويتابع: «أذكر في إحدى المرات أن تعرض مسجلي للسرقة، وحين أخبرت أول زبونة بذلك بدت غاضبة ومستاءة طوال الرحلة، بعدها حرصت كل الحرص على وجود التسجيل، وأن يكون بحال جيدة كذلك».