سألت مصادر وزارية ونيابية لبنانية ما إذا كان ضيق الوقت، وقبل أن يمسك رئيس المجلس النيابي نبيه بري بزمام المبادرة في 15 أيار (مايو) المقبل فور انتهاء مفعول قرار رئيس الجمهورية ميشال عون تعليق أعمال البرلمان لمدة شهر، سيسمح لرئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل بمعاودة الكرّة وتجربة حظه في إنتاج قانون انتخاب جديد يفترض أن يحمل الرقم -5- في ضوء تهاوي مشاريعه الانتخابية الأربعة السابقة الواحد تلو الآخر. كما سألت المصادر نفسها عن الجدوى من التمديد لباسيل لإطلاق مشروعه الانتخابي الجديد طالما أنه يفترض بمجلس الوزراء أن يمسك بزمام المبادرة، وإلا لماذا شكل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري أوكل إليها مهمة جوجلة الأفكار الانتخابية بحثاً عن مشروع جديد؟ ولفتت إلى أن باسيل، وحتى إشعار آخر، يواجه مشكلة في تسويق مشروعه، وتحديداً مع «الثنائي الشيعي» حركة «أمل» و «حزب الله» ومع «اللقاء النيابي الديموقراطي» بزعامة وليد جنبلاط و «تيار المردة»، إضافة إلى أن مشروعه الأخير لا يتناغم كلياً مع حليفه في «إعلان النيات» حزب «القوات اللبنانية» الذي لديه مجموعة من الملاحظات. وقالت المصادر عينها إن الحريري تصرف «كشيخ صلح» ولعب دوراً، ولو بصورة موقتة، في قطع الطريق على إقحام البلد في انقسام جديد بين ثلاثي مسيحي كان يستعد للتظاهر في الشارع احتجاجاًعلى التمديد للبرلمان وبين نواب غالبيتهم من المسلمين كانوا يستعدون لعقد جلسة تشريعية للتمديد بذريعة تأخر الحكومة في وضع قانون جديد. ورأت أن الحريري كان وراء تأجيل الصدام من خلال تواصله مع رئيسي المجلس والجمهورية الذي استخدم حقه في تعليق عمل المجلس بموجب المادة 59 من الدستور التي تمنحه صلاحية التدبير الذي اتخذه مع أنه يطرح التباساً لا يزال يدور الحديث عنه في الغرف المغلقة، ومفاده أن رئيس الجمهورية «يرسم ما يلي» ولا يقرر، في إشارة إلى المخرج الدستوري لاستخدامه المادة 59. واعتبرت المصادر هذه أنه كان على رئيس الجمهورية التوقيع على المرسوم الرامي إلى دعوة الهيئات الناخبة إلى الاشتراك في الانتخابات النيابية بدلاً من أن يرده، إضافة إلى تجنب مجلس الوزراء الغوص في تشكيل لجنة الإشراف على الانتخابات مع أن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق كان بادر إلى إعداد ما يلزم في خصوص هاتين المسألتين. وقالت إن قرار معظم الأطراف عدم الخوض في الأسباب التي حالت دون توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة أو تفادي مجلس الوزراء مقاربة تشكيل الهيئة الناخبة، ينم عن رغبتها في عدم استحضار مادة سياسية مشتعلة يمكن أن تفتح البلد أمام الدخول في اشتباك تفضل أن تكون في غنى عنه. وأكدت المصادر الوزارية والنيابية أنه ترك لعون حق التصرف في استخدامه صلاحياته الدستورية في تعليق عمل البرلمان، وبررت عدم اعتراضها عليه برغبتها في منع حصول انقسام، لكنها في المقابل تنتظر رد فعله في حال بقي مجلس الوزراء عاجزاً عن إنتاج قانون جديد، فهل سيمتنع عن التمديد للبرلمان بتوقيع اقتراح قانون من النواب في البرلمان صوتوا عليه، أم أنه سيرده ما يترك لهم الحق في التشديد عليه بتصويتهم لمصلحته في جلسة ثانية؟ وإذ لفتت إلى عامل الوقت الذي لم يعد يسمح بترك الأبواب مفتوحة أمام أزمة سياسية، قالت إن الحريري، وان كان وراء تنفيس الاحتقان وترحيل المشكلة، فإنه لن يقف ضد أي قانون إذا ما لقي تأييداً من الأطراف الرئيسة. وفي هذا السياق، نبهت المصادر من الخطورة المترتبة على محاولة بعضهم تطييف الخلاف حول قانون الانتخاب، باعتبار أن المتضرر الأول سيكون حكومة «استعادة الثقة»، بصرف النظر عن التعامل حيال ردود الفعل بأن هناك من ربح المعركة وآخر خسرها، لأن البلد في مطلق الحسابات سيكون الخاسر الأول والأخير، خصوصاً أن رئيس الجمهورية، ومن بعده رئيس الحكومة، كانا تعهدا بإجراء الانتخاب على أساس قانون جديد. واعتبرت أن مشكلة باسيل في تفريخ قوانين انتخاب الواحد بعد الآخر، تكمن في أنه في حاجة إلى رؤية سياسية متكاملة بدلاً من أن يقحم نفسه وهو يعد هذا المشروع أو ذاك في خلافات جانبية مع أكثر من فريق. وبكلام آخر، سألت المصادر هذه، كيف يوفق باسيل بين رغبته في إنتاج قانون يحمل اسمه وبين مبادرته إلى فتح النار على أكثر من طرف بذريعة أنه لا يؤيد أفكاره الانتخابية؟ ما الجدوى التي حصدها في قوله أمام وفد من «اللقاء الديموقراطي» لدى زيارته في وزارة الخارجية في إطار جولته على القيادات السياسية لشرح موقفه من قانون الانتخاب، إنه انتظر سنتين ونصف السنة حتى استطاع «التيار الوطني» تأمين انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وبالتالي ما يمنعه من استنساخ هذا الانتظار بحثاً عن قانون انتخاب ليؤتى بالقانون الذي يريده؟ ورأت أن ما يهم باسيل هو إشعار الشارع المسيحي بأنه هو الذي أنتج له قانون انتخاب يؤمن صحة التمثيل المسيحي في البرلمان ويحد من عدد النواب المسيحيين المنتخبين بأصوات معظمها من المسلمين، إضافة إلى أنه يستحضر في بحثه عن هذا القانون طيف الرئيسين الراحل كميل شمعون وأيضاً المنتخب الراحل بشير الجميل، لعل التاريخ ينصفه ويضعه إلى جانبهم، على لائحة المشاهير، من وجهة نظر فريق من المسيحيين. وقالت إن باسيل يتسلح بقرار «تيار المستقبل»، بلسان رئيسه رئيس الحكومة، أنه لن يختلف مع العهد مهما كلف الأمر، وأن من يراهن على تبدل العلاقة سيكتشف أن رهانه ليس في محله، كما يتسلح أيضاً ب «إعلان النيات» الذي وقع عليه عون قبل انتخابه رئيساً مع رئيس «القوات» سمير جعجع في معراب. لكن اعتقاده أن لا مكان لخلافه، ولو في نطاق محدود، معهما لا يعني أنهما يؤيدانه على بياض في كل ما يطرحه من مشاريع انتخابية، وإلا ما العمل حيال الملاحظات التي أودعاه إياها وهو يعرف هذا الأمر جيداً ولا يستطيع أن يدير ظهره له. وعليه، فإن المثل القائل «عادت حليمة إلى عادتها القديمة» لا ينطبق على باسيل ولا يخدمه، لأنه من وجهة نظر الحلفاء قبل الخصوم استنزف الوقت الكافي لتسويق مشاريعه واصطدم بمواقف تتراوح بين حصرها بملاحظات عليها أو برفضها من أساسها. واعتبرت المصادر الوزارية أنه آن الأوان لباسيل كي يترجل ويعطي مكانه لغيره من دون تجاهل موقف «التيار الوطني» من قانون الانتخاب، وهذا ما يدعم الآراء التي أخذت تتحدث عن أن البديل للجنة الرباعية في انتاج القانون سيكون في توسيع رقعة المشاورات عبر إشراك من كانوا خارج هذه اللجنة. وقالت إن توسيع مروحة الاتصالات، أكانت ثنائية أم موسعة، لن يستبعد «التيار الوطني»، لما يتمتع به من حجم تمثيلي في الشارع المسيحي، لكنها لن تمنحه صفة المنتج الدائم للمشاريع الانتخابية. وأكدت أن الهدف من هذه المشاورات يكمن في تضييق رقعة الاختلاف حول بعض البنود في القانون بما يسمح بتأمين الحد الأدنى من التوافق الذي يؤهل اللجنة الوزارية للتدخل في الوقت المناسب لوضع مشروع قانون يأخذ بالملاحظات ولا يشعر هذا الفريق أو ذاك بأن المشروع وضع على قياس طرف سياسي معين تلبية لطموحاته المستقبلية، خصوصاً الرئاسية منها. لذلك، باتت الحكومة الآن أمام اختبار للنيات للتأكد من أن تشكيل اللجنة الوزارية لم يكن لتمرير الوقت، وإنما هناك رغبة في أن يضع مجلس الوزراء يده على قانون الانتخاب لعله يوفق في التوافق على مشروع يبرر اللجوء إلى التأجيل التقني للانتخاب وإلا سيكون البديل حتماً التمديد للبرلمان أو العودة للاستعانة بالقانون النافذ حالياً، أي «الستين» على رغم أن الجميع، وإن كانوا مختلفين على تفاصيل القانون العتيد، فإنهم يعلنون رفضهم «الستين».