من بين المصورين الغربيين المعاصرين الذين تعلقوا بالمشرق العربي وسجلوا بعدستهم أهوال الحروب والمآسي التي مرت على أرضه ولم تتوقف يوماً، تبرز المصورة الفرنسية آن ماري فيلير التي اختارت منذ عام 1999 أن تسجل بعدستها صوراً توثيقية من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة ومن دول أخرى كلبنان. وخُصّص للمصورة المبدعة معرض جميل في متحف «موسم» في مدينة مرسيليا (جنوبفرنسا) تحت عنوان «مساحة أمنية موقتة»، يرافقه صدور كتاب فاخر يضمّ أجمل صور هذه الفنانة، ومن بينها اللقطات التي يضمها المعرض، مع نصوص نقدية. في الصور المعروضة يتكشف الخراب كما تلحظه عين فيلير التي ترصد الواقع الراهن في جوانبه القاتمة في عدد كبير من أعمالها، كما في تلك التي أنجزتها في فلسطينولبنان واليمن. في صورها التي تنطلق من هذه الدول والمأخوذة بالأبيض والأسود تركز على رسم المشهد المديني، الشارع، الساحات العامة والأبنية. وفي المقابل قلما يظهر الإنسان سعياً إلى خلق مناخات إيحائية عميقة لا يمكن لعين المشاهد أن تبقى لا مبالية حيالها. فهي تستنطق هذا المدى الخاوي لتعبر من خلاله عن روح الإنسان نفسه. وثمة في الصور ما يتهدد المكان العام بعمرانه وساكنيه. لكن الإنسان هو الحاضر الغائب في الصور التي وإن خلت غالبيتها منه فإنما هي تحكي عنه وتُعنى بهمومه. بعض اللقطات يشي باللحظة التي تلي الكارثة كما طالعنا في لقطات للضاحية الجنوبية لبيروت بعد الحرب الإسرائيلية عام 2006. وحضر الجنوباللبناني أيضاً كما تحضر الأراضي الفلسطينية. هنا أيضاً يتبدى الخراب في جدار الفصل العنصري والمدن التي تبدو خالية من ساكنيها مجسّدةً الفراغ الأعمق الذي يحتل النفوس. لا تحيد اليمن أيضاً عن هذه القاعدة. الصور التي التقطتها الفنانة في مدينة صنعاء القديمة المطرزة الجدران، تكشف هي أيضاً خواء وأسى كبيرين وشوارع مهملة. صور فيلير تشهد وتحرض وتدفع إلى تساؤلات كثيرة أبرزها لماذا حل كل هذا الخراب وإلى أين مضى ساكنو هذه الأمكنة؟ هذه الأعمال هي صورة للقهر والغياب والدمار ولما يعيشه جزء من البشرية في قرننا الحالي. إنها تكشف أيضاً الحريق الكبير الذي يهز الشرق الأوسط برمته. ومن خلال الصور تصغي آن ماري فيلير إلى وقائع التاريخ الحي وترصد آثار الحروب هنا وهناك في المناطق التي تحضر في أعمالها. كما تصور صراعات البشر في ما بينهم ومع أنفسهم. وتتميز صورها بشاعريتها وقدرتها على التعبير عن المأساة وعلاقة الإنسان بمحيطه وبيئته. لقد أفادت آن ماري فيلير كثيراً من تجربتها في تصوير المشاهد الطبيعية المختلفة والتي بدأتها في فرنسا مطلع التسعينات، وفي ما يعني العالم العربي الحاضر بقوة في نتاجها في نقل التاريخ ومظاهر العنف المختلفة. وفي هذا السياق، عاشت تحولات المشهد الفلسطيني ما قبل بناء الجدار الفاصل وما بعده وحكت كيف تجسد أمامها الانغلاق والعزلة اللذان أحدثهما الجدار. ثم عادت عام 2007 لتصور الأماكن التي سبق أن صورتها عام 2004 في الحقبة التي كانت تنتهي معها مرحلة حكم ياسر عرفات. كذلك سجلت بصورها التغيرات التي طرأت. بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 2006 حين ذهبت إلى الضاحية الجنوبية وإلى جنوبلبنان بهدف الوقوف على نتائج هذا الاجتياح ومحاولة فهم ما حدث. نفهم أن عمل فيلير يختلف عن ذلك الذي يقوم به مراسلو الحروب، فهي لا تسعى إلى أن تنقل الواقع الآني، بل ما يعكسه هذا الواقع في صورها وأعمالها وكيف يتحول معها إلى مادة فنية قائمة بذاتها. وهي تقول في هذا الصدد: «في الصورة التي ألتقطها يشكل المشهد شيئاً من التراكم. تراكم الوقت واللحظات». أما عن افتتانها بالحدود فتقول: «إن الحدود تدفعني إلى معرفة ما أمتلكه وما لا أمتلكه حيث أجد مكاني ولا أجده. إنه البحث الدائم عن المكان الضائع».