كما حدث لكل فنون السينما العالمية، تغيّر شكل الإبداع السينمائي في مصر تماماً عندما استند المبدعون إلى الآداب المكتوبة لصنع أعمالهم التي سارت بالسينما المصرية الى الأمام والتي بدلت شكلها وهويتها حين انتبهت إلى الإبداع المصري، ما ولدّ تأثيراً متبادلاً بين الطرفين السينما والأدب فتغيرت شاشة السينما المصرية جذرياً. بهذه العبارات قدم الكاتب محمود قاسم لكتابه «السينما والأدب في مصر في الفترة 1927-2000» والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. أول رواية يكشف قاسم أنه «بالنظر إلى قائمة الأفلام المستوحاة من نصوص أدبية، هناك سنوات ازدهار بعينها وثمة تلازم واضح بين ازدهار الأدب والسينما في تلك السنوات...ففي ال25 عاماً الأولى من عمر السينما المصرية في الفترة بين (1927 – 1952) لم يتم إنتاج سوى 15 فيلماً من أصل أدبي بين 666 فيلماً أُنتجت خلال تلك الفترة. وجاء فيلم «آثار على الرمال» المأخوذ عن رواية للأديب يوسف السباعي عام 1954 كأول فيلم مأخوذ عن رواية، إذ أنتج بعد مرور ربع قرن على انطلاق صناعة السينما في مصر. وأيضاً بعد قيام ثورة تموز (يوليو) 1952، حيث شهدت فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ازدهاراً للاقتباس عن نصوص أدبية مصرية وتحويلها إلى أفلام لكنها تقلصت عقب وفاة الزعيم جمال عبدالناصر في شكل واضح. ويعكس هذا الأمر مدى انفصام العلاقة بين الأدب والسينما في تلك السنوات، باعتبار أن الكثير من الروايات المصرية التي كتبت في الثلاثينات والأربعينات قد تم تحويلها إلى أفلام في سنوات لاحقة وبينها أعمال طه حسين ويحيى حقي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وغيرهم. فترات الازدهار وتجلى الازدهار من وجهة نظر معدّ الكتاب خلال فترة الستينات وهو ما برهنت عليه أعداد وأنواع الأفلام المقتبسة، إذ بدا أن هناك أدباً «يصلح للسينما» من دون غيره، فيما فشلت أعمال أدباء آخرين عند تحويلها إلى شاشة السينما، لذا لم يتم التعامل مع أعمالهم في ما بعد إلا في أضيق الحدود. وخلال سنوات السبعينات، نهضت ظاهرة اشتغال الأدباء الشباب آنذاك بكتابة السيناريوات أيضاً. ولعل من سمات تلك المرحلة أن المخرجين الشبان الذين أرادوا إثبات كفاءتهم تصدوا لإخراج الروايات الأدبية بينهم حسين كمال الذي أخرج «المستحيل» عام 1965 والمأخوذ عن نص أدبي للدكتور مصطفى محمود، فيما أخرج أنور الشناوي فيلم «السراب» عام 1970 عن رواية نجبيب محفوظ. بينما أكدت سينما الثمانينات أنه غالباً ما تتم الاستعانة بأعمال الكاتب وهو على قيد الحياة حيث لم تلتفت السينما كثيراً إلى أعمال الكاتب محمد عبدالحليم عبدالله عقب رحيله. وفي المقابل زاد الاهتمام ب «أدب نجيب محفوظ» بل وتحولت غالبية نصوصه الأدبية إلى أفلام سينمائية أشهرها «الحرافيش» و «وأولاد حارتنا» و «الشيطان يعظ» وغيرها. صلاح أبوسيف وأدب السينما ويؤكد قاسم أنه لا يوجد في تاريخ السينما المصرية مخرج يضارع صلاح أبوسيف في اهتمامه بالأدب، ففضلاً عن إخراجه عدداً كبيراً من الروايات، قام أيضاً باجتذاب كتّاب وروائيين بارزين ليكتبوا خصيصاً للسينما، سواء أفلاماً أخرجها بنفسه أو آخرون، ومن أبرز هؤلاء نجيب محفوظ ويوسف غراب. كما كان أبوسيف وراء تحويل أعمال إحسان عبدالقدوس إلى أفلام، وقدم رواية نجيب محفوظ «بداية ونهاية» إلى السينما، وكذا «لا وقت للحب» ليوسف إدريس، إضافة إلى روايات إسماعيل ولي الدين، وأحمد رشدي صالح ولطفي الخولي ويوسف القعيد. ثم جاء من بعد أبوسيف مخرجون حذوا حذوه أبرزهم حسام الدين مصطفى وحسن الإمام وحسين كمال وهنري بركات وكمال الشيخ ثم أشرف فهمي وعاطف الطيب وغيرهم. ويختتم محمود قاسم طرحه موضحاً أهمية دراسة العلاقة بين الأدب والسينما في مصر كون الأدب غيّر شكل وخريطة الإبداع السينمائي، منوهاً إلى أن أكثر الأدباء الذين حظيت رواياتهم بالتحويل إلى السينما هما إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ. وتنبأ قاسم عبر كتابه ب «تقلص» تلك العلاقة لتصل إلى أدنى درجاتها، ليكون ذلك إيذاناً بتغيير جديد في «شكل» السينما المصرية.