تحرّش بها ومارس العنف ضدها لأنه مكبوت، واغتصبها لأنه مظلوم، وسلب حقوقها لأنه مغبون، ورفض وجودها في الشارع لأنه محبط، وعارض تواجدها في العمل لأنه مُضطهد، ورفض حريتها لأنه ليس حراً، واعتبرها كائناً درجة ثانية لأن أحدهم أقنعه بأنه درجة أولى. الأولى بالمصريين الواقعين في بحر من الجرائم والاعتداءات ذات الطابع الجنسي أن يلتفتوا إلى دور الدولة في التصدّي لهذا التوجّه الذي يشكّل ظاهرة، ويهتموا بهذا التفكير الذي بات منظومة حياتية في الألفية الثالثة. فمن اعتداء جنسي جماعي على فتاة في الشرقية «لأنها كانت ترتدي فستاناً قصيراً»، إلى اغتصاب رضيعة عمرها 18 شهراً لأن الشيطان حرّض مغتصبها، إلى سب أستاذة جامعية وشتمها وفضحها لأنها رقصت في حفلة مقامة على سطح بيتها، إلى شعور عارم لدى نساء مصر وفتياتها بأن الشارع لم يعد لهن، وأن عليهن الالتزام بمقاييس السوقة ومعايير الدهماء في حال أردن التواجد في الفضاء العام. الوضع العام في مصر في ما يتعلّق بتاء التأنيث منقسم قطبين يقفان على طرفي نقيض. النظر إلى الأول حيث تراكم سنوات من خطاب تحريضي ضد المرأة يرتدي ثوب المحافظة حيناً ورداء التحقير أحياناً، يجعل القطب الثاني الذي يحاول جاهداً أن ينحت في صخر الظلام مُعيداً للمرأة المصرية جانباً من إنسانيتها المفقودة على مدار عقود أربعة مضت، يبدو وكأنه قادم من كوكب آخر. وعلى كوكب «فايسبوك» المشتعل بقطبيه، تجمع تواقيع على بيان يعرب عن قلق شديد تجاه تزايد ظاهرة العنف الجنسي ضد النساء في المجال العام. البيان ليس نابعاً عن جهة رسمية، أو يمثّل مؤسسة نسوية، أو حتى يعبّر عن أشخاص بأعينهم دوناً عن آخرين. وورد فيه أنه «في الوقت الذي تتحدّث الدولة عن النساء كأولوية واعتبار 2017 عام المرأة، توالت أخبار جرائم العنف ضد النساء والفتيات والرضيعات». ورأى البيان أن «تواتر هذه الجرائم يدل على وجود قصور واضح في تعامل الدولة مع قضية العنف الجنسي ضد النساء، وفي مواجهة الخطابات المجتمعية التي تحرّض على ممارسة هذه الجرائم، وهو ما يجب التصدّي له بحزم لتتمتع النساء بحقهن في التواجد في المجال العام، ولتبرّهن الدولة على جديتها في مواجهة هذه الظاهرة في شكل يتجاوز التصريحات وإعلان النوايا». البيان الذي يلقى قبولاً واسعاً بين أبناء قطب التنوير ومحاربة الظلام يصف ب «المخزي» تعامل بعض وسائل الإعلام وأجهزة الدولة مع تواتر جرائم العنف ضد النساء في شكل «يؤكّد استمرار التواطؤ السياسي والمجتمعي على جريمة انتهاك أجساد النساء ولومهن على حدوثها». وعلى رغم الرسائل القوية التي وجهها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل نحو ثلاثة أعوام في أعقاب توليه مهام منصبه، حين اعتذر لسيدة وبناتها تعرّضن لتحرّش جنسي عنيف في ميدان التحرير، إلا أن عدداً من أجهزة الدولة يطغى على تعاملها مع هذه الجرائم سمة التراخي. ويتهم البيان بعضها بتبرير أفعال المعتدين ولوم الضحايا. الضحايا اللاتي يتراوحن بين من وقعن في براثن جرائم عنف جنسي بدرجاته والمعرّضات له على مدار الساعة حيث الشارع يشجع على ذلك، والإجراءات القانونية والعقابية تباركه من خلال الامتناع عن القيام بدورها، وأصوات إعلامية وبرلمانية كثيرة تكفله عبر تضامن غير معلن مع الجناة، ينتابهن شعور طاغ بأنهن الحلقة الضعيفة في المنظومة المجتمعية، وبعضهن تعايش مع الواقع الأليم وكأنه شر لا بدّ منه. وبين «وما الذي يمكننا عمله؟» و «واقع وعلينا التعامل معه» و «ثقافتنا وعلينا التكيّف معها»، تكشف ردود نساء وفتيات كثيرات عن استعداد جماعي (أو ربما إحباط عام يجمعهن) للتكيّف والتعايش مع هذه البيئة الرافضة إياهن المحتقرة دورهن المفتئتة على حوار ثقافي وجمود خطاب ديني. فقد بات ضبط الخطاب ومواجهة الطالح والتركيز على الصالح فيه أموراً حتمية وإن ظلت تُواجه بمقاومة شديدة من أصحاب الشأن. ويحمّل البيان الدولة مسؤولية العنف الممارس من قبل المجتمع تجاه النساء، لأنها (الدولة) لا تزال تعتبر مكافحة هذه الجرائم أمراً ثانوياً، بل وتشترك بعض أجهزتها في الخطابات التحريضية والتبريرية للعنف، من دون مجهود حقيقي لضبط هذا الخطاب أو مواجهته. ويلفت المحامي الحقوقي سيد أبو العلا إلى أن أشكال العنف ضد المرأة في مصر تتنوّع وتتعدد منذ طفولتها وتزيد حدتها في فترة شبابها وكهولتها، سواء في الشارع والعمل أو استناداً على رابطة عائلية. وجاء في دراسة أنجزها عنوانها «العنف المقنن ضد النساء» أنه على رغم وجود نصوص توفّر الحماية القانونية للنساء، لاسيما أن غالبية التشريعات المصرية تساوي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، إلا أن هناك تمييزاً على مستوي النص القانوني في بعض هذه التشريعات، إضافة إلى التمييز ضدهن على مستوى تطبيق القانون وعدم وجود قوانين خاصة بحماية النساء من العنف، لا سيما العنف الأسري الذي لا يزال يُعتبر شأناً خاصاً. وقدم أبو العلا أثناء مؤتمر صحافي عقد قبل أيام في مقر «مركز القاهرة للتنمية والقانون» مقترحاً لإطار تشريعي يهدف إلى حماية النساء من خلال ثلاثة نصوص قانونية. الأول قانون موحّد للأسرة المصرية ينص على علاقات عادلة بين النساء والرجال في إطار الأسرة، والثاني يضيف باباً لقانون العقوبات خاص بجرائم العنف ضد النساء والأطفال سواء التي تقع في إطار المجتمع أو العنف الأسري. أما الثالث فيحوي تعديلات على قانون الطفل تتوافق والمشروعين المقترحين على مستوى التجريم وإجراءات الحماية. حماية المرأة المصرية في عامها «عام المرأة المصرية 2017» يبدأ بعقاب المعتدي والمغتصب والمتحرّش وكل من يعتبرها وسيلة لفش الغل، أو التنفيس عن الكبت، أو التعبير عن القهر، أو الرقص على جثامين نصف المجتمع، لأن الثقافة تسمح بذلك والدولة ساكتة، والخطاب الديني يرفض التزحزح قيد أنملة عن هذا الجمود وذلك السكوت.