حررت أجهزة الأمن السعودية أمس (الثلثاء) مسناً قيده أولاده بالسلاسل، في غرفة بمنزله في محافظة جدة، وسط ظروف «مأسوية» بحسب وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، التي شاركت في تحرير الأب، إلا أن ملابسات إقدام الأبناء على فعلتهم، التي أثارت ضجة بين السعوديين، لم تتكشف بعد وقال المتحدث الرسمي لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية خالد أباالخيل، في تغريدة عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إنه «تم تحديد موقع المسن لتقديم العناية والرعاية له، وإنهاء وضعه المأسوي، بالتنسيق مع الجهات المختصة»، داعياً إلى التبليغ عن حالات العنف الأسري، عبر مركز البلاغات 1919. وعلى رغم أن عقوق الوالدين يعتبر من الجرائم الموجبة للتوقيف بقرار من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، فإن ذلك لم يردع فئة من الأبناء انعدمت فيهم الإنسانية، وكان آخرهم الأبناء الذين احتجزوا والدهم بالسلاسل. فيما رصدت «الحياة» الأسبوع الماضي 12 قضية أقدم فيها أبناء على قتل آباءهم أو أمهاتهم. وضج «تويتر» بتغريدات مستنكرة لجريمة احتجاز الأب في جدة، إذ أظهر فيديو متداول في وسم «أبناء يحتجزون والدهم بالسلاسل» حال الوالد وهو محتجز في غرفة يوجد بها حمام فقط في جدة، وأغلق عليه الباب بالسلاسل، من دون توافر كميات كافية من الطعام، وتركه أولاده فترات طويلة من دون زيارة، وبحسب الجيران فإن الأب حاول الاستنجاد بهم، طالباً منهم طعاماً. وفي الوسم الذي أصبح الأعلى قراءة (ذروة) خلال ساعات، قالت المغردة سحاب: «كثيرون على قيد الحياة، قليلون على قيد الإنسانية»، ودوّن آخر «يجب محاكمة هؤلاء الشرذمة والتشهير بهم». وغرد آخر «من أبشع حالات العقوق؛ أبناء يحتجزون والدهم بالسلاسل الحديدية، ويحرمونه من الطعام، ليتركوه فريسة سهلة للمرض والجوع والألم». وارتفعت حالات العقوق في الفترة الأخيرة، أو ربما بدأت تظهر أكثر مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وأبرزها حادثة قتل الأم هيلة العريني من ابنيها التوأمين عام 2016، وأوضحت الإخصائية النفسية الدكتورة سهير فهد أن «حادثة قتل هيلة أيقظت المجتمع على بر الوالدين، وغياب التربية السليمة، وغياب وعي الأهل، إضافة إلى عدم المعرفة التامة بالأضرار الناجمة عن عدم احترام الوالدين وضياع هويتهما خارج إطار المنزل». وأضافت العريني أن بعض أبناء «المجتمع السعودي يعيش تقلبات جديدة في بر الوالدين والمخاوف من التأثيرات الخارجية على الأبناء»، مؤكدة وجوب استحداث «خطط جديدة مع وزارات معينة لتغيير الفكر السلبي والطاقات السلبية وتحويلها إلى فكر إيجابي». وفي العام 2014 أقدم شاب في العقد الثاني على قتل والده الستيني، في محافظة ينبع، وذلك بضربه مرات عدة على رأسه بمنفضة سجائر كبيرة، بعدما خيّل إليه أنه «أحد الشياطين»، يذكر أن الجاني (29 عاماً) ويعمل في أحد الفنادق الكبرى في ينبع، ويعاني من اضطرابات نفسية توحي له، بحسب وصفه أن والده أحد الشياطين. ونفت مصادر «الحياة» حينها أن يكون الخلاف بين الجاني ووالده المغدور من أجل المال، موضحة أن الشاب القاتل يستقل سيارة فارهة، ومعروف عنه أنه «انطوائي». اوضح الناطق الاعلامي بشرطة منطقة مكةالمكرمة العقيد دكتور عاطي بن عطيه القرشي ان شرطة محافظة جدة رصدت تداول وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مقطع فديو يتضمن حجز رجل مسن بمفرده بداخل غرفة مسيجه بالحديد. وأضاف أنه «على الفور باشر مركز شرطة الجنوبية الحالة، حيث تم التوصل للموقع وتحرير الشخص، وتبين أنه من جنسية عربية يبلغ من العمر 87 عام، لوحظ من خلال الإجراءات الاوليه عدم اتزان اقواله، وبناء عليه تم بعثه لمستشفى الصحة النفسية بجدة، لتلقي العلاج اللازم ونظراً لسوء حالته الصحية، أحيل من قبلهم لمستشفى الملك عبدالعزيز لتقديم العلاج اللازم وتم تنويمه لديهم». وأوضح القرشي أنه جرى ضبط المتسبب في احتجازه، إبنه البالغ من العمر 37 عام، الذي افاد أن والده يعاني من امراض نفسية وعقلية كما يعاني من الخرف والشيخوخة ، جاري التنسيق مع الجهات ذات العلاقة حيال تسليمة لهم لتقديم الرعاية له فيما سيتم احالة كامل الأوراق لجهة الاختصاص. محاميان: السجن والجلد عقوبة «العقوق» أكد محاميان في حديثهما ل«الحياة»، أن معدلات قضايا العقوق في المملكة منخفضة، وتراوح بين 2 إلى 3 في المئة من مجمل القضايا المحالة للمحكمة الجزائية، وهي من القضايا الكبرى التي يطبق فيها عقوبات تعزيرية تشمل السجن والجلد أو كليهما، بحسب نوع القضية والعقوق الذي اقترف الأبناء بحق أبويهما. وحذرا في حديثهما ل«الحياة» من أن قضايا العقوق بدأت ترتفع معدلاتها في المحاكم السعودية. وقال المحامي الدكتور عمر الخولى: «شهدت السنوات الخمس الأخيرة ارتفاعاً في معدلات قضايا العقوق المرفوعة لدى المحكمة الجزائية على رغم أنها تعد محدودة ولم تتجاوز نسبتها 3 في المئة، إذ تراوح معدلاتها في المحاكم ما بين 2 إلى 3 في المئة من إجمالي القضايا المنظورة». وأشار إلى أن العقوق يعد من الجرائم التي يحاسب عليها النظام في السعودية، والعقوبات في هذه القضايا متروكة لتقدير القاضي والتي تشمل الجلد والسجن، وفي الغالب يكون السجن في حال اعتداء الابن على والديه بالضرب ونحوه، موضحاً أن حبس المسن يعد من قضايا العقوق ويستوجب السجن. بدرره، قال المحامي منصور الخنيزان: «إن قضايا العقوق تعد من الجرائم الكبرى والتي تحال إلى المحمة الجزائية، ويقدم فيها لائحة اتهام عقوق من هيئة التحقيق والادعاء العام»، لافتاً إلى أن العقوبات في هذه القضايا تشمل السجن والجلد أو كلاهما، وهي عقوبات تعزيرية يقدرها القاضي. وأضاف: «للأسف لدينا قضايا عقوق، ولكن تظل معدلاتها منخفضة ولم تصل إلى ظاهرة اجتماعية»، مطالباً بوجود برامج توعوية للحد من تفشي العقوق في المجتمع السعودية.