عكف قادة «مجموعة السبع الكبار» خلال الأيام الماضية على صوغ «عرض مكتوب» حمله وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى الرئيس فلاديمير بوتين اليوم، مفاده بتخفيف العقوبات على روسيا وإعادتها إلى نادي «الثماني الكبار» والتعاون في محاربة الإرهاب مقابل وقف نار كامل في سورية لا يشمل الإرهابيين وإطلاق عملية انتقال سياسي جدية تحافظ على المؤسسات وتؤدي إلى خروج الرئيس بشار الأسد. الوصول إلى صوغ هذا «العرض» تطلب الكثير من المفاوضات والمشاورات بقيادة الرئيس دونالد ترامب وصولاً إلى اجتماع وزراء خارجية «مجموعة السبع» في إيطاليا في اليومين الماضيين لوضع اللمسات الأخيرة على الوثيقة التي حملها تيلرسون إلى الكرملين. وقال مسؤول إقليمي بارز إنه لاحظ وجود «زعامة أميركية لم تكن موجودة لسنوات». وتمثلت هذه القيادة بتولي الرئيس ترامب إجراء اتصالات مع عدد من قادة «مجموعة السبع» بينهم رؤساء وزراء اليابان شينزو آبي وكندا جاستن ترودو وبريطانيا تيرزا ماي والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل. نقاط التشاور بين القادة تناولت ثلاث نقاط: الأولى، ربط الأزمة السورية بملفي جزيرة القرم وأوكرانيا. الثاني، التلويح بفرض عقوبات إضافية على روسيا في حال لم تستجب إلى العرض. الثالث، دور الرئيس الأسد. وقال مسؤول غربي إن مستشاري الأمن القومي ووزراء الخارجية في الدول الكبرى عكفوا على صوغ العرض بدقة متناهية، فهو لم يتضمن الإشارة مباشرة إلى أوكرانيا أو القرم ولا إلى التلويح بعقوبات إضافية على روسيا، إضافة إلى أنه لم يشترط تنحي الأسد قبل بدء المرحلة الانتقالية بل قبول بوتين «عملية انتقالية ذات صدقية تؤدي إلى خروج الأسد من دون انهيار المؤسسات». عرض «الزعيم ترامب»، لم يتضمن شرط بريطانيا وكندا تشديد العقوبات المفروضة على روسيا منذ عام 2014 بسبب ضمها أراضي من أوكرانيا إذا واصلت موسكو دعمها للأسد بل إعادتها إلى «نادي الثماني الكبار»، إضافة إلى أنه ترك مصير الأسد إلى العملية الانتقالية على عكس رغبة دول إقليمية بينها تركيا. واعلنت كييف ان تيلرسون ابلغها ان أوكرانيا ليست جزءاً من «العرض». نافذة فرصة قادة «مجموعة الثماني» يرون أن هناك «نافذة فرصة يجب استثمارها والبناء عليها»، تمثلت بتوجيه الجيش الأميركي ضربات جوية إلى قاعدة الشعيرات وسط سورية بعد استخدام غاز السارين. وقال مسؤول بريطاني إن ترامب اتصل برئيسة الوزراء البريطانية قبل توجه تيلرسون إلى موسكو و «شكرها على دعمها في أعقاب العمل العسكري الأميركي ضد نظام الأسد. واتفقا أن هناك فرصة سانحة الآن لإقناع روسيا بأن تحالفها مع الأسد لم يعد في مصلحتها الاستراتيجية». كما أن رئيس الوزراء الكندي قال بعد اتصاله بترامب وماي أنه لا يرى «دوراً للأسد في المديين المتوسط والطويل». وكان لافتاً أن تيلرسون اقترب خلال اجتماعات إيطاليا، التي شارك فيها وزراء إقليميين وحلفاء لواشنطن، من موقف مندوبة أميركا في الأممالمتحدة نيكي هايلي المقربة من ترامب. وقال قبل توجهه إلى موسكو إن «أفعالاً مثل الهجوم الكيماوي الذي وقع الأسبوع الماضي تجرد الرئيس الأسد من شرعيته». وأضاف: «من الواضح لنا أن حكم عائلة الأسد يقترب من النهاية»، لكن شدد على ضرورة أن يكون هذا ضمن عملية انتقال سياسي لا تؤدي إلى انهيار مؤسسات الدولة والحكومة ولا تؤدي إلى تكرار نموذجي ليبيا أو العراق بعد تغيير النظامين فيهما. وأضاف: «نأمل أن تخلص الحكومة الروسية إلى أنها ربطت نفسها بتحالف مع شريك غير جدير بالثقة متمثلاً بالأسد». وإبعاد بوتين عن الأسد أكد الوزير الألماني زيغمار غابرييل أنه هدف زيارة تيلرسون. وقال: «علينا أن نبدي موقفاً موحداً وأن علينا في تلك المفاوضات أن نبذل كل ما في وسعنا لإخراج روسيا من ركن الأسد على الأقل بحيث تصبح مستعدة للمشاركة في إيجاد حل سياسي». في حال وافق بوتين على هذا «العرض المكتوب» يمكن عقد صفقة تتضمن وقفاً شاملاً للنار عدا قتال الإرهابيين وصدور قرار دولي بمبادئ الحل السياسي واستئناف مفاوضات جنيف على أرضية تتضمن جدية من ممثلي الحكومة والمعارضة ودعم ذلك خلال اجتماع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بمجلس الأمن اليوم، إضافة إلى بحث تفصيلي باحتمال نشر مراقبين عرب وإقليميين برعاية دولية في سورية لتنفيذ الاتفاق السياسي، بحسب مسؤول غربي. وفي حال، رفض الرئيس بوتين هذا «العرض المكتوب»، ستتجه أميركا إلى قيادة حلف دولي وإقليمي يؤدي إلى السيطرة الكاملة على شرق نهر الفرات بعد طرد «داعش» منها وبحث إقامة «مناطق استقرار موقتة» شمال سورية وجنوبها لإعادة لاجئين إليها وتحويلها إلى مناطق نفوذ إقليمي ودولي من دون تنسيق الحرب ضد «داعش» بين الجيشين الأميركي والروسي، إضافة إلى ترك «سورية المفيدة» غرب الفرات إلى النفوذ الروسي والإيراني وحرمان هذه المناطق من الموارد الاقتصادية والنفطية والغازية الموجودة شرق النهر الخاضعة لسيطرة الأكراد وترك مناطق النظام «مدمرة من دون أي موارد مالية للإعمار» مع استمرار غرق روسيا في «المستنقع» وتنامي التطرف والإرهابيين الذين يمتدون إلى أراضيها. هذا يفسر رفع البيت الأبيض سقف «الخطوط الحمر» من منع استعمال السلاح الكيماوي إلى تحذير شون سبايسر الناطق باسم البيت الأبيض من أن واشنطن قد ترد إذا استخدمت دمشق «البراميل المتفجرة». ويتضمن هذا الخيار احتمال توجيه «ضربات جراحية» أخرى، إضافة إلى نقل ملف السلاح الكيماوي إلى منظمة حظر السلاح الكيماوي ومجلس الأمن لإصدار قرار جديد يتضمن التحقيق باستخدام الكيماوي في مناطق عدة بينها خان شيخون. وفي خيار كهذا، من غير المستبعد «عودة أجواء الحرب الباردة» بين أميركا وروسيا، بحسب المسؤول. وأعرب عن «الحذر من أن بوتين قد يلجأ إلى تذويب عرض السبع الكبار لشراء الوقت والرهان على أن ترامب سيمل من الموضوع السوري بعد فترة وحصول أولويات أخرى»، إضافة إلى إشارة المسؤول إلى أن «إيران لن تسمح بعقد صفقة كهذه وهي متمسكة بالرئيس الأسد»، الأمر الذي ظهر في مبادرة الرئيس الإيراني حسن روحاني بالاتصال بالأسد وبوتين لرفض «العدوان الأميركي» وإعلان تحالف تنظيمات بقيادة طهران أن الضربات الأميركية تجاوزت «خطوطاً حمراء» وأن هذا التحالف سيرد على أي «عدوان جديد وسيزيد من دعمه للأسد». ويتوقع أن يكون رد بوتين على عرض ترامب المدعوم من حلفائه الدوليين والإقليميين، ضمن محادثات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف والسوري وليد المعلم في موسكو نهاية هذا الأسبوع.