أظهر الهجومان الانتحاريان على كنيستي «مار جرجس» في مدينة طنطا في الغربية و «المرقسية» في قلب مدينة الإسكندرية، الخطر المتفاقم للمتطرفين «العائدين من سورية»، إذ دلت المعلومات الأولية عن الانتحاريين أنهما التحقا بجبهة القتال في تلك الدولة المضطربة. وقُتل 28 مسيحياً في هجوم بحزام ناسف نفذه انتحاري تسلل إلى قاعة صلاة كنيسة «مار جرجس»، كبرى كنائس الغربية، وجُرح 77 آخرون، فيما قُتل 17 شخصاً بينهم 7 ضباط وجنود في الشرطة، في تفجير انتحاري نفسه بحزام ناسف أمام بوابة الكنيسة المرقسية، لما لم يستطع التسلل إلى داخل الكنيسة التي كان يرأس بابا الأقباط تواضروس الثاني قداس «أحد السعف» فيها، وجُرح 48 من المارة ورواد الكنيسة. وتبنى تنظيم «داعش» الإرهابي في بيان نشرته مواقع إعلامية تابعة للتنظيم الهجومين. وأوضح في بيان أن الانتحاري الذي استهدف الكنيسة المرقسية بحزام ناسف يُدعى «أبو البراء المصري»، والانتحاري الذي استهدف كنيسة «مار جرجس» يُدعى «أبو إسحاق المصري». ولملمت أجهزة الأمن أشلاء الانتحاريين وبدأت إجراء فحوص «دي أن آي» لتأكيد هويتيهما. ونقلت وسائل إعلام مصرية عن مصادر أمنية، أن «أبو إسحاق» من مواليد محافظة الشرقية ومطلوب أمنياً، وسبق أن سافر إلى سورية عبر تركيا في العام 2013. أما «أبو البراء» فهو من محافظة كفر الشيخ وسافر إلى ليبيا ولبنان ودخل سورية عبر تركيا في العام 2013. وقالت مصادر أمنية ل «الحياة»: «لا يمكن تأكيد شيء قبل ظهور التحاليل العلمية التي تجزم بهوية الانتحاريين. هناك دلائل قيد البحث تُشير إلى أن منفذ هجوم الإسكندرية هو نفسه «أبو البراء» المصري الذي اتهم في العام 2014 بتجنيد مصريين من محافظة السويس وتسفيرهم إلى سورية للالتحاق بتنظيم داعش هناك». ونُشر فيديو للانتحاري الذي استهدف كنيسة الإسكندرية وهو يسعى إلى دخولها متخطياً البوابة الإلكترونية لكشف المتفجرات، لكن أحد أفراد الحراسة طلب منه المرور عبر البوابة، ولما سعى للدخول دوت صافراتها، في إشارة إلى حمله معادن، فتراجع خطوتين ثم فجر نفسه بعد ثوانٍ. وتلك البوابة الإلكترونية كان مدير أمن الإسكندرية اللواء مصطفى النمر طلب إخراجها من حرم الكنيسة إلى الشارع ووضعها أمام الباب الخارجي، قبل الانفجار بدقائق. وأظهرت اللقطات المصورة وجه الانتحاري «أبو البراء» بوضوح، وكان حليقاً، ويبدو شبيهاً بشاب مُكنى «أبو البراء المصري» كان نفى على صفحته على «فايسبوك» اتهامات وجهتها إليه سلطات الأمن في العام 2014 بتجنيد شباب من محافظة السويس للالتحاق بتنظيم «داعش»، وقال حينها إنه منضم إلى «جبهة النصرة» في سورية، ويعارض تصرفات «داعش». و «أبو البراء» الذي تتحفظ «الحياة» عن ذكر اسمه لعدم تأكد تورطه في الهجوم الانتحاري، معروف عنه الانتماء إلى حركة «حازمون»، المناصرة للقيادي السلفي الموقوف حازم صلاح أبو إسماعيل، الذي كان يجاهر ويفاخر بانضمام شباب مصريين موالين له إلى «الجهاد في سورية». واتهمته السلطات المصرية في العام 2014 بتجنيد شباب مصريين للانتماء إلى «داعش» وتولي مسؤولية تسفيرهم إلى سورية، وهو واحد من المتهمين الفارين في قضية خلية «داعش» في السويس، الموقوف على ذمتها بضعة شباب. وسبق أن ألقت قوات الأمن القبض عليه في العام 2013، أثناء تظاهرة لجماعة «الإخوان المسلمين» في محافظة السويس، واتهم حينها ب «العنف»، لكن صدر قرار من النيابة العامة بإطلاقه، وبعدها اختفى. ووفق معلومات «الحياة»، فإن علاقة ربطت «أبو البراء» مع ضباط في الشرطة مفصولين، وردت أسماؤهم ضمن خلية «داعش» التي اتهمت بمحاولة اغتيال الرئيس عبدالفتاح السيسي. وقال مصدر بارز ل «الحياة»: «المعلومات المؤكدة بخصوص شخصية انتحاري الإسكندرية، وهل هو المُكنى أبو البراء، ستؤكدها فحوص الحمض النووي»، لكن المؤكد أيضاً أن «معلومات مهمة توصلت لها أجهزة الأمن ستحسم هوية المتورطين في الهجومين»، لافتاً إلى أن «الانتحاريين انضما إلى جبهات القتال في الخارج». وبدا أن تلك المعلومات مُرجحة لدى أجهزة الأمن، إذ ألمح إليها بيان اجتماع مجلس الدفاع الوطني برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي. وقال البيان: «تطرق الاجتماع إلى الإجراءات الجاري اتخاذها من أجل إحكام السيطرة على كل الحدود والمنافذ والمعابر بالنظر إلى التحديات الأمنية القائمة بالمنطقة، ومخاطر الإرهاب المتزايدة نتيجة الوضع الإقليمي المتأزم. ووجه الرئيس في هذا الإطار باتخاذ الخطوات اللازمة لضمان التأمين التام لحدود البلاد». ووفق معلومات «الحياة» تعتزم القاهرة طلب توريد المزيد من الأجهزة الحديثة لمراقبة الحدود من شركائها الدوليين. وأفيد بأن القاهرة حصلت على مجسات وأجهزة لمراقبة الحدود من روسيا قبل عام تُستخدم الآن في مراقبة الحدود الغربية، لكن امتداد الحدود على مسافات كبيرة يتطلب المزيد من تلك الأجهزة. وقال الباحث في شؤون الأمن والإرهاب في مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد كامل البحيري ل «الحياة» إن إعلان تنظيم «داعش» عن هوية الانتحاريين، والصور التي التقطتها كاميرا كنيسة الإسكندرية تُرجح أن «الانتحاري أبو البراء» هو نفسه الشخص الذي أعلن الانضمام إلى «جبهة النصرة» في العام 2014 وسمى نفسه «أبو البراء المصري». وأوضح أن الأحداث في سورية وضرب التنظيمات المتطرفة هناك وتقدم «داعش» في عامي 2015 و2016، أغرت مسلحين كثيرين إلى ترك تنظيماتهم والانضمام إلى «داعش». ورجح البحيري أن يكون الانتحاريان عادا من سورية متسللين عبر الحدود من خلال «خطوط سير متعارف عليها لتهريب البشر والسلاح»، لافتاً إلى دور مهم للقبائل والعشائر في تأمين الحدود الغربية تحديداً. وأوضح أن الاضطرابات التي حدثت في المنطقة والهزائم التي تلقتها «داعش» جعلت أعضاء في التنظيم يعودون إلى بلدانهم، للتعاون مع التنظيمات القائمة فيها والاستمرار في منهج التنظيم الإرهابي. وأوضح أن طريقة تنفيذ هجومي الكنيستين يؤكد ضلوع عناصر تلقت تدريباً في الخارج وشاركت في جبهات قتال حقيقية، فضلاً عن أن تنفيذ هجوم انتحاري «لا أحد يُقبل عليه إلا إن كان تلقى تأهيلاً نفسياً يؤهله لتلك الفعلة». ويعكف خبراء مصلحة الأدلة الجنائية وخبراء المفرقعات على تحديد نوعية المواد التي صُنع منها الحزامان الناسفان اللذان استخدمهما الانتحاريان في العمليتين الإرهابيتين، وتحديد نطاق الموجة الانفجارية. ميدانياً، انتشرت وحدات من الجيش أمام المنشآت المهمة والكنائس المصرية، وشوهدت دوريات مشتركة بين الجيش والشرطة تجوب ميادين القاهرة وميادين عواصمالمحافظات، وسط استنفار أمني لتأمين الكنائس خلال فترة الأعياد. وطوقت أجهزة الأمن الكنائس بسياج حديدي مع تحديد حرم آمن لتلك الكنائس يختلف مداه وفق حجم الكنيسة وموقعها، بحيث يُمنع مرور السيارات في هذا الحرم، ويتم التدقيق في هوية المارة. وأقيمت أمس قداديس لضحايا التفجيرين، علماً أن الكنائس المصرية تمتنع عن أداء صلوات الجنازة على الموتى خلال «أسبوع الآلام». وودع المشيعون الضحايا بالزغاريد، وسط حضور لافت من المسلمين في الجنازات. ودُفن ضحايا تفجير الكنيسة المرقسية في دير «ماري مينا العجائبي» غرب الإسكندرية بجوار ضحايا كنيسة القديسين الذين قتلوا في هجوم استهدفها في مطلع العام 2011. ودُفن ضحايا الهجوم على كنيسة «مار جرجس» في طنطا، في مدفن في الكنيسة نفسها. وشُيعت جنازات القتلى المسلمين من الشرطة من مسقط رأسهم.