عاد الإرهاب أمس ليسدد ضرباته بعنف، مستهدفاً كنيستيْن في مدينة طنطا (دلتا النيل)، والإسكندرية الساحلية (شمال القاهرة) في يوم احتفالات الأقباط بأحد السعف (الشعانين)، موقعاً عشرات القتلى والجرحى. وفيما أعلنت مصر الحداد ثلاثة أيام على أرواح الضحايا، سارع تنظيم «داعش» الإرهابي إلى تبني الحادثيْن اللذين لم يفصلهما سوى ساعات قليلة، ونُفذا بالطريقة نفسها التي نفذ فيها حادث تفجير الكنيسة البطرسية في العباسية (شرق القاهرة) أواخر العام الماضي، والذي أوقع 29 قتيلاً، غالبيتهم من الأطفال والنساء. وبينما كان الأقباط المصريون يؤدون صلواتهم لمناسبة أحد السعف (الشعانين)، داخل كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا التابعة لمحافظة الغربية (دلتا النيل)، تسلل انتحاري مرتدياً حزاماً ناسفاً، وما إن وصل إلى قاعة الصلاة الرئيسة داخل الكنيسة حتى فجّر نفسه موقعاً 27 قتيلاً، بينهم القاضي صموئيل جورج، و78 جريحاً. وأظهرت لقطات فيديو لكنيسة مار جرجس في طنطا حطاماً داخل الكنيسة، وانتشاراً لبقع دماء وأحشاء الضحايا على أرض الكنيسة وأثاثها المدمر. وبدا واضحاً أن مركز الانفجار كان في الصفوف الأولى، بعد تخطي الباب الرئيس، كما لوحظت آثار الانفجار على أعمدة الكنيسة. وفيما كان رجال الإسعاف منهمكين في جمع أشلاء الضحايا، كان رجال البحث الجنائي يعاينون آثار الحطام، ويجمعون بقايا المواد المتفجرة لتحليلها، كما أُعلن العثور على رأس يرجح أنه للانتحاري. وأوضح شهود أن انفجاراً عنيفاً ضرب كنيسة طنطا خلال الصلاة، من الداخل، قبل أن تشتعل ألسنة اللهب في جدرانها وسط انبعاث كثيف للدخان، فيما سقطت أجزاء من جدران القاعة. واحتشد خارج الكنيسة العشرات من الأهالي الذين رددوا هتافات منددة بالحادث والإرهاب، من بينها: «مسلم ومسيحي إيد واحدة». وعقب الجريمة بساعات قليلة، وبينما كان بطريرك الأقباط الأرثوذكس البابا تواضروس الثاني يترأس الصلاة داخل الكنيسة المرقسية (المقر البابوي) في محافظة الإسكندرية (شمال غربي القاهرة)، حاول انتحاري آخر التسلل إلى داخل الكنيسة، قبل أن تحول دون ذلك قوات الشرطة التي كانت تعكف على تفتيش المصلين عند أبواب الكنيسة. لكنه أقدم على تفجير حزام ناسف كان يرتديه، موقعاً 16 قتيلاً بينهم ثلاثة من الشرطة، فيما أصيب 41 آخرون أمام الكنيسة، لكن البابا تواضروس نجا من الاغتيال. وبينما سارع تنظيم «داعش»، عبر وكالة «أعماق»، إلى إعلان مسؤوليته عن الحادثين، وفيما نقلت الوكالة عن «مصدر أمني» أن «مفرزة أمنية تابعة للدولة الإسلامية نفذت هجوميْ الكنيستين في طنطاوالاسكندرية»، استنفرت القاهرة لتطويق الحادث، فهاتف الرئيس عبدالفتاح السيسي البطريرك تواضروس الثاني لتقديم التعازي في شهداء الوطن، قبل أن يترأس اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، بعد أن شدد على أن الإرهاب الغادر الذي «يستهدف الوطن بأقباطه ومسلميه، لن ينال أبداً من عزيمة المصريين وإرادتهم الحقيقية في مواجهة قوى الشر، بل سيزيدهم إصراراً على تخطّي المحن والمضي قدماً في مسيرتهم لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية الشاملة». كما هاتف رئيس الحكومة شريف اسماعيل البابا تواضروس الثاني، متعهداً «العمل على سرعة كشف ملابسات الحادثين وتعقب الجناة لينالوا الجزاء الرادع»، وأكد له أن المحاولات الجبانة التي تستهدف الآمنين في دور العبادة إنما تؤكد «خسة يد الإرهاب الذي لا دين له». وأكد بطريرك الأقباط من جانبه، أن هذه الأعمال الآثمة «لن تنال من وحدة هذا الشعب وتماسكه، فالمصريون في خندق واحد في مواجهة هذا الإرهاب الأسود حتى القضاء عليه». وتوافد رئيس الحكومة وعدد من وزراء حكومته إلى مكان حادث طنطا، حيث تعهد اسماعيل «وضع حد لهذه الأعمال الجبانة التي تحاول المس باستقرار الوطن وتماسك أبنائه»، فيما طالب وزير الداخلية مجدي عبدالغفار أجهزة الأمن في طنطا ب «تلمس الخيوط التي تقود التحقيق الى التوصل إلى الجناة وتحديد هويتهم». وأعلنت وزارة الصحة مقتل 27 وإصابة 78 آخرين في انفجار كنيسة مار جرجس في طنطا، مشيرة إلى نقل عدد من الحالات الحرجة إلى مستشفيات القاهرة. وأُعلن أنه تمت إطاحة مدير أمن الغربية حسام الدين خليفة وعدد من قيادات الشرطة في المحافظة في أعقاب الحادث، وتعيين اللواء طارق حسونة مديراً جديداً لأمن الغربية. وتوجه النائب العام المصري المستشار نبيل أحمد صادق، على رأس وفد من قيادات النيابة، إلى مقر كنيسة مار جرجس في طنطا، وطالب فريق المحققين بسرعة الانتهاء من مناظرة جثامين القتلى وعمليات تشريح الجثامين، كما قرر التحفظ على كاميرات المراقبة داخل الكنيسة وخارجها. ولاحقاً، توجه النائب العام المصري وقيادات النيابة إلى مقر الكنيسة المرقسية في الإسكندرية لمعاينة الحادث الذي أعلنت وزارة الصحة أنه تسبب في مقتل 16 وإصابة 41 آخرين. وكشفت وزارة الداخلية في بيان تفاصيل الانفجار، موضحة أن أفراد الخدمات الأمنية المعنية بتأمين الكنيسة المرقسية في منطقة الرمل في الاسكندرية، تصدوا لمحاولة اقتحام أحد العناصر الإرهابية للكنيسة وتفجيرها بواسطة حزام ناسف خلال وجود بطريرك الأقباط داخلها لرئاسة الصلوات، لكنها أكدت أنه «لم يصب بسوء». وأشارت إلى أنه بعدما ضبطت قوات الشرطة الانتحاري، أقدم على تفجير نفسه، مستهدفاً أفراد الشرطة خارج الكنيسة، ما أسفر عن مقتل الرائد عماد محمد لطفي الركايبي، والعميد نجوى عبدالعليم الحجار، بالإضافة إلى أمين شرطة، وعدد من المدنيين. وأوضح شهود أن غالبية الضحايا والمصابين هم من المارة، وأن الأثر الكبير للانفجار جاء بسبب أن الكنيسة قابعة في شارع ضيق في قلب الاسكندرية، ما أدى إلى تدمير واجهات المحال والمباني المجاورة. ودان الرئيس السيسي ب «بالغ الشدة حادث التفجير الغاشم»، مؤكداً أن هذا الإرهاب الغادر «إنما يستهدف الوطن بأقباطه ومسلميه، ولن ينال أبداً من عزيمة المصريين وإرادتهم الحقيقية في مواجهة قوى الشر، بل سيزيدهم إصراراً على تخطّي المحن والمضي قدماً في مسيرتهم لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية الشاملة». وكلّف وزير الخارجية المصري سامح شكري مندوب بلاده الدائم لدى الأممالمتحدة التحرك الفوري لدى أعضاء مجلس الأمن لإدانة الحادثين الإرهابيين. وسارعت الجماعة الإسلامية في مصر إلى التبرؤ من الحوادث الإرهابية «الآثمة»، وأكدت في بيان «التزامها مبادرة وقف العنف».