بين جملة من القضايا الخلافية في العراق تبرز قضيتان تصنفان ضمن المسكوت عنه سياسياً. الأولى حول فترة ولاية رئيس الوزراء العراقي في ظل غموض في النص الدستوري يتيح السماح بتولي رئيس الحكومة أكثر من ولايتين والثانية تتعلق بنصوص دستورية واضحة تقضي بضرورة إقرار قوانين مرتبات الرئاسات الثلاث «الجمهورية والحكومة والبرلمان» وكذلك اعضاء البرلمان والدرجات الخاصة، وجميعها تطاول الطبقة السياسية التي نشأت بعد عام 2003 بمعزل عن الانظمة الادارية وسلم المرتبات في العراق، وبما يتجاوز المعقول والمتداول في التجارب المماثلة عبر العالم. ولاية ثالثة مع انشغال الكتل السياسية العراقية الرئيسة بملف تشكيل الحكومة الجديدة، تلوح في الأفق بوادر سجال سياسي جديد بدأ الحديث عنه باكراً داخل الأوساط البرلمانية حول أحقية رئيس الوزراء المكلف نوري المالكي البقاء في منصبه لولاية ثالثة وذلك في ظل غياب نص دستوري واضح يعالج هذه القضية. وتكشف مصادر مطلعة عن جدال داخل البرلمان حول عدد ولايات منصب رئيس الوزراء المقررة دستورياً. وقالت المصادر إن هذا الجدل غير المعلن بدأ يدور في أروقة البرلمان بعد تمكن نوري المالكي من الاحتفاظ بمنصبه لولاية ثانية، وان انشغال الكتل السياسية في تشكيل الحكومة ساهم في التقليل من وقع السجالات بين الكتل الرئيسة حول الموضوع. وأكدت أن «الائتلاف الوطني» الذي يتكون من «المجلس الإسلامي الأعلى» و «تيار الصدر» و «حزب الفضيلة» كان أول المعترضين على مساعي يبذلها شريكه في «التحالف الوطني» المكلف تشكيل الحكومة «ائتلاف دولة القانون» تمهد بحسب المصدر للمالكي الاحتفاظ بمنصبه لولاية ثالثة، مرجحاً ان تشهد مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة جهوداً مكثفة تبذلها كتل سياسية ابرزها «الائتلاف الوطني» و «القائمة العراقية» لفتح ملف التعديلات الدستورية والتركيز على المادة 77 من الدستور العراقي التي ذكرت شروط من يتولى منصب رئاسة الوزراء من دون الإشارة الى تحديد فترة ولايته. ولم تتطرق التعديلات الدستورية التي كتبت في الدورة البرلمانية السابقة الى قضية ولاية رئيس الحكومة، فيما كان الدستور العراقي أشار صراحة الى حصر فترة حكم رئيسي الجمهورية والبرلمان بولايتين فقط أسوة بالأنظمة البرلمانية. والخلاف حول مبدأ تعميم ما ينطبق على رئيس الجمهورية ينطبق على رئيس الحكومة من ناحية فترة الولاية بدا واضحاً مع تلويح اعضاء في ائتلاف المالكي الى إمكانية الذهاب مجدداً الى المحكمة الاتحادية للفصل في القضية. ويقول علي العلاق القيادي في «حزب الدعوة الاسلامية» الذي يرأسه المالكي ان أي جدال محتمل في مسألة ولاية رئيس الوزراء ستكون المحكمة الاتحادية الفيصل فيه. ويضيف ل «الحياة» ان «الدستور عندما ذكر ولاية رئيس الوزراء اكتفى بتحديد الجهة التي يترشح عنها وهي الكتلة الأكبر ولم يقل ان هذا المرشح يحق له الحكم لدورة او اثنتين او اكثر بخلاف رئيس الجمهورية الذي حدد له ولايتين فقط في المادة 72». ويبين العلاق ان «نص المادة 77 يشترط على رئيس الوزراء ما يشترطه على رئيس الجمهورية لكن القصد من هذه الإشارة، الشروط الواجب توافرها في رئيس الوزراء وليس الصلاحيات. والشروط هي ان يكون عراقي الولادة ونزيهاً وكفوءاً وقضايا اخرى تتعلق بالأهلية وليس بالصلاحيات وعدد سنوات الحكم». ويرجح القيادي في «ائتلاف دولة القانون» ان يدور الجدال في هذا الموضوع مع اعادة فتح ملف التعديلات الدستورية وامكان ان يطالب بعض الأطراف بإدارج المواد الخاصة بمنصب رئيس الوزراء للتعديل. وتنص المادة 72 من الدستور العراقي على ان «تحدد ولاية رئيس الجمهورية بأربع سنوات، ويجوز اعادة انتخابه لولايةٍ ثانيةٍ فقط» فيما تنص المادة 77 على انه «يشترط في رئيس مجلس الوزراء ما يشترط في رئيس الجمهورية، وان يكون حائزاً الشهادة الجامعية او ما يعادلها، واتم الخامسة والثلاثين من عمره». على الطرف الآخر يقول عضو «اللجنة القانونية» في البرلمان السابق وائل عبداللطيف ان «الشروط التي وضعها الدستور العراقي في المادة 77 تشمل ايضاً تحديد ولايات رئيس الوزراء كما هي الحال مع رئيس الجمهورية». ويؤكد عبداللطيف الذي كان عضواً في لجنة كتابة الدستور ل «الحياة»: «صحيح انه لا توجد هناك مادة صريحة تمنع رئيس الوزراء من البقاء في منصبه اكثر من ولايتين، لكن الأحكام العامة لو طبقت فإن رئيس الوزراء سيخضع لمسألة تحديد الولايات التي ذكرتها المادة 72 بخصوص رئيس الجمهورية». ويبين ان «من المفترض ان تشمل المادة 77 قضية عدد الولايات لرئيس الوزراء صراحة وفقاً للمبادئ العامة». ولفت الى ان «النصوص الدستورية القاطعة تمنع رئيس الجمهورية الحالي جلال طالباني من البقاء لولاية ثالثة وهو ما جاء في المادة 72 لكن المبادئ العامة لو طبقناها بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فإن ذلك يعني ايضاً انه لا يحق لرئيس الوزراء الاستمرار لولاية اخرى وذلك وفقاً للمادة 77». وعن عدم وضع مادة صريحة تخص ولايات رئيس الوزراء أوضح عبداللطيف «عندما كتبنا الدستور كنا على عجلة من أمرنا ولم نكن نفكر في أن هناك شخصية سياسية يمكن ان تتمسك برئاسة الوزراء اكثر من ولايتين». ويقول الخبير القانوني طارق حرب ان «مسألة تحديد ولايات رئاسة الوزراء لم ترد في دساتير الانظمة البرلمانية لأن انتخاب رئيس الوزراء يجرى داخل مجلس النواب وليس بالانتخاب المباشر». واضاف ل «الحياة» لأنه «نظام برلماني فإن رئيس الوزراء يجرى انتخابه من قبل مجلس النواب وتسحب الثقة ايضاً عنه من مجلس النواب وبهذا لا يصح تحديد ولايات رئيس الوزراء الذي يشترط فيه فقط للحصول على ولاية جديدة الترشح من طريق الكتلة الأكبر». وأوضح ان «صاحب الصلاحية في النظام البرلماني رئيس الوزراء لكن من دون تحديد ولايته كما هي الحال مع النظام الألماني والإيطالي اما في النظام الرئاسي فرئيس الجمهورية هو صاحب الصلاحيات مع تحديد ولايتين له كما هو معتمد في الولاياتالمتحدة الأميركية وفرنسا. القضية التي يتم تداولها خارج النطاق الإعلامي في الأوساط السياسية العراقية تكشف مجدداً الحاجة العميقة الى اعادة النظر بالنص الدستوري الذي جاء غامضاً ومرتبكاً في بعض اهم بنوده. وعلى رغم ان بعض السياسيين يؤكدون ان الظروف العامة في البلد لن تسمح بتجديد ولاية المالكي مرة ثالثة حتى في غياب النص الدستوري، فإن مخاوف اطراف اخرى تركز على استثمار الخلل الدستوري مستقبلاً لإنتاج حكومات دائمة خارج الزمن. مناصب ورواتب الدستور العراقي كان واضحاً في دعوته الى تشريع قوانين ثلاثة تضمن اطاراً قانونياً لمرتبات الرئاسات الثلاث وعلى النحو نفسه في مواد مختلفة هي (المادة 63) اولاً التي تنص على ان «تحدد حقوق وامتيازات رئيس مجلس النواب ونائبيه واعضاء المجلس، بقانون» والمادة (74) التي تنص على ان «يحدد بقانونٍ، راتب ومخصصات رئيس الجمهورية» وايضاً المادة (82) ونصها «ينظم بقانونٍ، رواتب ومخصصات رئيس واعضاء مجلس الوزراء، ومن هم بدرجتهم». لكن التعطيل كان مصير هذه القوانين وبقيت عملية صرف مرتبات الرئاسات الثلاث تجرى بحسب المختصين وفق آلية كيفية. وتشير المعلومات الى رواتب مرتفعة ولا تتناسب مع السلم الإداري في العراق ينالها المسؤولون في الحكومة والبرلمان. والحديث عن هذه المرتبات دائماً ما يشغل جلسات مجلس النواب مع تمرير الموازنة المالية لكل عام وفي هذا العام الذي شارف على الانتهاء شهدت الموازنة تخفيض رواتب الدرجات الخاصة بنسبة 10 في المئة. ومع وصول موازنة العام المقبل 2011 الى مجلس النواب تصاعدت حدة الحديث داخل السلطة التشريعية حول ضرورة منح الاولوية لهذه القوانين التي دعا اليها الدستور لغلق الباب امام جدلية مرتبات موظفي رأس الهرم في الدولة العراقية. وغياب القوانين المنظمة لمرتبات الرئاسات الثلاث مسؤولية يتحملها البرلمان السابق كما يقول رئيس هيئة النزاهة رحيم العكيلي الذي اكد أن «رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء تحددان مرتباتهما اليوم بنفسيهما وهو أمر مخالف للدستور ويتعارض مع مبدأ كبير من مبادئ مكافحة آفة الفساد المالي والإداري». ويضيف ان «لدى الهيئة تصوراً كاملاً عن الرواتب التي تتسلمها الرئاسات الثلاث وأعضاؤها، من طريق كشوفات المصالح المالية التي تردها، لكن المشكلة «هي في غياب القانون الناظم وبالتالي لا نستطيع أن نفعل شيئاً حيال هذه المبالغ». ويتحدث العكيلي عن الطريقة غير المنطقية التي جرى على اساسها اعتماد مصاريف كبار الموظفين في الدولة العراقية بسبب ما أسماه «تلكؤ مجلس النواب السابق بإصدار قوانين تحدد رواتب الرئاسات الثلاث ومنافعها». وغياب القانون بحسب المختصين «جعل الدولة تسمح لمكاتب الرئاسات بأن تضع رواتب الرؤساء ومستحقاتهم، ما منع خلال السنوات السابقة امكانية تدخل هيئة النزاهة لمعرفة هذه المصاريف، لأن هذه الرواتب وضعت وفق قوانين موقتة يشوبها الغموض، والجهة المسؤولة داخل مجلس النواب عن تأخر تمرير هذه القوانين وتأجيلها الى الدورة البرلمانية الحالية هي الكتل السياسية مجتمعة». ويؤكد مقرر البرلمان السابق محمد مهدي البياتي ان «القوانين المقصودة جرت قراءتها مرتين داخل مجلس النواب من دون ان تمرر لوجود اعتراض من اطراف سياسية مختلفة في حينه على مساعي جعل رواتب الرئاسات الثلاث متساوية». ويقول البياتي ان الكتل السياسية اتفقت بعد القراءتين الاولى والثانية لقانون رواتب الرئاسات بأن يكون لكل رئاسة قانون خاص يحدد راتبها ومنافعها كما جاء في الدستور لكن الخلافات وزحمة القوانين حالت دون حسم الملف. أعضاء في اللجنة المالية في البرلمان المنتهية ولايته، أكدوا في مناسبات عدة بأنهم لا يعرفون التفاصيل الدقيقة لمخصصات الرئاسات الثلاث، وتحدثوا في ما مضى عن «توافق على عدم إثارة الموضوع» لحين تشكيل مجلس النواب الجديد وحسمه بتشريع تضعه اللجنة المالية الجديدة. مهمة اصلاح الفوضى المالية التي تركها غياب القوانين الثلاثة تقع جلها على مجلس النواب الحالي فهو ملزم بوضع لائحة القوانين المعطلة في الحسبان لاستكمال الشرعية وتثيبتها، فالخلافات والمماطلات التي كانت حاضرة ومسيطرة في السلطة التشريعية السابقة يجب ألّا تعترض جدول ألاولويات القصوى التي يفترضها المشرعون الجدد أمراً عاجلا، لأن إزالة الغموض عن هذا الملف هو حجر أساسي لنزاهة مؤسسات الدولة. ويرى كثيرون انه لا يمكن الاطمئنان الى النظام المالي في العراق ما لم تكن هناك قوانين واضحة في شأن توزيع رواتب الدرجات الخاصة، ويشيرون الى إقرار برلمان اقليم كردستان قانون رواتب ومخصصات رئيس الإقليم اخيراً باعتباره عاملاً مساعداً في اجبار زعماء بغداد على تقنين رواتبهم.