مشكلة الجلوس مع الصديق «أبو الونات»، أنك لن تستطيع الحديث من كثرة الضحك، سواء الضحك فرحاً، مرارة، ومن شر البلايا في المجتمع عموماً، ومجتمع الإبداع بأنواعه المختلفة. جالسته أخيراً بعد أن دعاني إلى وليمة شعبية كوميدية فاخرة، لمشاهدة مسلسل «المقطار»، وهي من حيله «المكفوشة»، للهروب من دعوات العشاء، ويكتفي دوماً بدروسه الفنية، لإشباع الروح أو الذائقة، وإضفاء السعادة، وهذا ما فعله المسلسل. المسلسل يتناول فترة زمنية سابقة، وهي من الفترات التي لم ينتج منها أي عمل درامي، وهو بنجومه وفي مقدمهم حبيب الحبيب نجح في إيصال «الجو العام» بتفاصيله، التي يمكن من خلالها قراءة معان تراثية وثقافية واجتماعية واقتصادية بل وحتى سياسية، وأجمل ما في ذلك إضافة إلى «تقطيع المصران من الضحك» تصوير الإيجابيات، والتركيز على روح المجتمع آنذاك، وليس على شكليات أو تفاصيل بسيطة عادة ما تركز عليها القصص الشعبية، التي يكتبها أو يسلقها البعض، وهنا يجب تسجيل الإعجاب بكاتب المسلسل سعد المدهش، الذي أنقل عنه قوله: «المسلسل يحرص في رؤيته على إبراز كل الجوانب المضيئة في تلك الفترة، وتزويد النشء ببعض الأهازيج الشعبية بمبررات منطقية ومقبولة في سياق السيناريو». حبيب الحبيب يؤدي دور «نويصر» في المسلسل، وهو القروي البسيط الذي يعيش في إحدى القرى التي تبدو أنها مسالمة، لا يكدرها سوى شخص آخر يكرهه كرهاً شديداً، وأخذ يدبر له المكائد والمشكلات بسبب الحسد، لأن أهل القرية يحبون نويصر، لطيبته وخفة دمه، وأيضاً كرد فعل عندما رفضت سارة الزواج منه وفضّلت نويصر عليه، إذ تعتبر سارة التي يضرب بها المثل في الجمال والذكاء في هذه القرية، وهنا تبدو القصة معتادة، لكنني اعتقد أن المعالجة، والتفاصيل والإخراج، ونوع الكوميديا، ليست كذلك. إن رصد التجربة الاجتماعية يستحق أكثر من عمل، ورأينا كيف نجح السوريون مثلاً في الدراما الشعبية، إن صحت التسمية، والأتراك أيضاً إلى حد كبير، وأصبح المشاهد يعرف عن تاريخهم وتطورهم الاجتماعي ومتغيراتهم الاقتصادية أكثر مما يعرف عن بلده، لأن الدراما تختصر التاريخ، وهنا أتمنى على مركز تلفزيون الشرق الأوسط تبني إنتاج أو إصدار جزء ثان من المسلسل، يواصل بنا مسيرة الرصد الاجتماعي في قالب مبهج، وبتفاصيل كثيرة لم يركّز عليها أحد من قبل، أو حتى لم ولن يستطيع المسلسل تغطيتها في ثلاثين حلقة. ستكون مبادرة جيدة، وهي أيضاً استثمار معقول، خصوصاً أن المجموعة أفردت قناة متخصصة للدراما، تحتاج إلى تنويعات من الإبداع، أعتقد أن هذا المسلسل واحد منها، وسيحتاج ليتطور ويتلافى أخطاءه أو ما فاته إصدار آخر ربما لمرحلة سعودية أخرى. [email protected]