تستضيف مكناس المغربية (شرق الرباط)، اللقاءات الدولية التاسعة للزراعة حول «إمدادات الماء والأمن الزراعي في العالم» في 17 من الشهر الجاري، بمشاركة مؤسسات عالمية ونحو 70 دولة من أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا. وستكون إيطاليا دولة الشرف في المؤتمر، باعتبارها ثالث بلد زراعي في أوروبا، وتتقاسم مع المغرب «تراثاً متوسطياً مشتركاً». واعتبرت وزارة الزراعة والصيد البحري المشرفة على المعرض الدولي للفلاحة، أن المياه «تمثل الذهب الأزرق لأن الموارد المائية أصبحت رهاناً عالمياً للأمن الغذائي، وسيكون الاستعمال المستدام للمياه من التحديات الكبيرة في القرن ال 21، لأن 70 في المئة من تلك المصادر تُستخدم حالياً في الإنتاج الزراعي»، متوقعة «ازدياد هذه النسبة نحو 20 في المئة في أفق 2050». وتهدف اللقاءات إلى تعريف الرأي العام وأصحاب القرار، بخطورة التحدي الذي يطرحه تدبير الموارد المائية في شكل ناجع واحترام مستلزمات البيئة في السنوات والعقود المقبلة. وأشار تقرير للبنك الدولي أول أمس في واشنطن، إلى أن «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تضم 6 في المئة من مجموع سكان العالم، لا يتوافر فيها سوى أقل من 2 في المئة من مصادر المياه العذبة المتجددة، مع وجود فترات جفاف متفاوتة». وتشهد «12 دولة عربية نقصاً حاداً في مصادر المياه، ولا يتجاوز نصيب الفرد 1200 متر مكعب سنوياً بما فيها تحلية مياه البحر، في مقابل متوسط عالمي يُقدر ب7 آلاف متر مكعب». وسيزداد الوضع «سوءاً مع حلول عام 2050، خصوصاً أن 85 في المئة من مصادر المياه في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تُستعمل في الري الزراعي وهي من أعلى النسب في العالم». كما ستخفّض التغيرات المناخية المتوقعة «معدل الأمطار 20 في المئة في بعض المناطق، مع ارتفاع الطلب على الغذاء بزيادة عدد السكان». وتفيد الإحصاءات الدولية بأن عدد سكان الأرض «سيتجاوز 9 بلايين شخص بحلول عام 2050، ولإطعامهم يجب زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة 50 في المئة ومصادر المياه العذبة 15 في المئة عما هو متوافر حالياً». ووفقاً للأمم المتحدة والبنك الدولي، «لن تتمكن مناطق كثيرة في العالم من تحقيق هذه النسب ما قد يتسبب لها بنقص الموارد في ندرة الغذاء وانتشار المجاعة، وعودة بعض الأوبئة خصوصاً في أفريقيا جنوب الصحراء». وفي شرق آسيا، تستهلك الزراعة 91 في المئة من مصادر المياه، بينما لا تتجاوز الاستخدامات المنزلية 2 في المئة، ما قد يطرح إشكاليات غذائية في النصف الثاني من القرن الحالي في منطقة كثيفة السكان وضعيفة في المساحات الزراعية. وفي أفريقيا جنوب الصحراء، يتخطى استعمال الماء في الزراعة 81 في المئة في مقابل مردود ضعيف من الإنتاج الغذائي. وفي أميركا اللاتينية الغنية بالمياه، تستنزف الزراعة 72 في المئة من المصادر والأغراض المنزلية 11 في المئة، لكن توسع المدن والتمدد العمراني والإنتاج الصناعي الذي يستهلك 17 في المئة من الموارد، ربما تضر بالبيئة والغابات ومنها مصادر المياه. وتبدو أوروبا أقل ضرراً على المدى المتوسط، لأنها لا تستخدم سوى 35.7 في المئة من مصادر المياه في الزراعة و31 في المئة في الصناعة، و33.5 في المئة في الأغراض الأخرى، ما يجعل التقسيم مناسباً للتعديل وفق الحاجة. وفي شمال أفريقيا، يبدو المغرب من الدول التي نجحت في تطوير الإنتاج الزراعي والاقتراب من تأمين الحاجات الغذائية بفضل مشاريع مائية (سياسة السدود) التي تعود إلى نصف قرن، وبرامج مخطط المغرب الأخضر المعتمد منذ عام 2008 والتي تقوم على الاستعمال العقلاني للمياه، والاعتماد على الأشجار المثمرة في الإنتاج ورعاية التربة وتطوير سلاسل القيمة الزراعية المستدامة. ويُعتبر المغرب ضمن الدول ال25 الأولى في الإنتاج الزراعي والخضار والفواكه في العالم، وتمثل الصناعة الغذائية نحو 16 في المئة من النات الإجمالي ويعمل فيها 40 في المئة من مجموع الأيدي العاملة. ويسعى المغرب حالياً إلى نقل خبرته وتجاربه إلى بعض الدول الأفريقية خصوصاً السنغال ونيجيريا وساحل العاج، التي ستوظف فيها شركات مغربية استثمارات في مجال الإنتاج الغذائي، ضمن توسع في سلاسل الإنتاج والتحول إلى رائد إقليمي أفريقي وعربي ومتوسطي في عدد من الزراعات وتأمين الاكتفاء الغذائي لمعظم دول غرب أفريقيا.