الصورة ليست دائماً خير من ألف كلمة. هذه الوردة البيضاء (الصورة) كانت تقدّمها للعابرين صبيّة بشوشة. بابتسامة دافئة تمد يدها والوردة للعابر الغريب الذي يبدأ بالتلفّت، مستغرباً أو محدّقاً، من بداية المشهد المنبسط أمام تمثال رياض الصلح، وسط بيروت. هناك، تجمهر عدد ضئيل من اللبنانيات، وكانت حفنة صحافيين وكاميرات تصوّرهن. النساء يطالبن ووجوههن تنظر إلى السراي الكبير أمامهن تارة، ومبنى الأسكوا خلفهن، تارة أخرى. لنعد إلى المشهد من بدايته. في أعلى التلة، قطع رجال الأمن اللبناني الطريق النازل صوب السراي الكبير. تأفّف ركّاب سيارة الإجرة وترجّلوا يكملون طريقهم إلى وسط المدينة. هكذا يفعل رجال الأمن كلما التأم مجلس الوزراء في تلك الناحية من لبنان. وأحياناً، يترافق هذا التدبير الأمني مع تحركات شعبية على أنواعها. وهكذا يستجيب الركّاب لهذا النوع من الإعاقات المفاجئة. تفرّق الركّاب الراجلون نزولاً، كل بحسب تأخّره عن موعده، أو عدم لهفته للوصول إلى مقصده. رافقهم أذان صلاة الجمعة حتى آخر النزلة، وحدائد ملونة بالأبيض والأحمر، مرمية وسط الطريق، لإعاقة أي محاولة تسلل. ثم لاحت بشائر التجمهر النسائي الضئيل خلف سلسلة من الحدائد المرتفعة. وبدت نساء وصبايا كأنهن ينشرن غسيلاً أبيض. (ولعبارة "نشر الغسيل" في لبنان معنى الانتقاد العلني الحاد والجارح وكشف أبشع التفاصيل. لكن التجمهر الضئيل كان أضعف من أن يُقْدم على ذلك.) تلك النساء والصبايا كن ينشرن، على حبال، عرائض موقّعة دعماً لأن تمنح الأم اللبنانية جنسيتها لزوجها وأولادها الأغراب (!). وبجانبهن، وقفت الصبية البشوشة تقدّم الورود البيض، وكأنها تلفت انتباه المارة إلى قضية أخرى مهمة وهي قضية يحملها "مركز الخيام لضحايا التعذيب"، وخلفها أمهات وزوجات أقل عدداً يستعرضنها أمام الصحافة. كان هذا خلال اعتصام في ساحة رياض الصلح، في الذكرى 62 ل"اليوم العالمي لحقوق الانسان". حقوق الإنسان التي باتت تستحق "نشر غسيل"، بالمعنى اللبناني للعبارة، وب"اجتياحية" ويكيليكس.