كنت في غاية نشوة الفرح، وأنا أتابع على شاشة التلفزيون على قناة الجزيرة الرياضية، وأتنقل إلى تلفزيون قطر لأتابع فرحة هذا الشعب وانتظاره على أرض مطار الدوحة فريق ملف كأس العالم، والفرحة لا تسعني وأنا أرى زوجة أمير قطر الشيخة موزة بنت ناصر المسند، وهي تركب سيارة مكشوفة وتصافح الجماهير وتعانق الأطفال. صدمني سؤال من صديق لي كان يجلس معنا يتابع هذه الاحتفالات، حينما قال لي: وهل ستحقق قطر بطولة كأس العالم؟ وماذا ستفعل أمام أباطرة الكرة؟ حتى أنها لم تلعب في كأس العالم، سوى أنها وصلت مرة واحدة في نهائيات كأس العالم للشباب في عام 1981 في استراليا! ولم يكتفِ صديقي بطرح سؤاله ويتابع التلفزيون، بل واصل أسئلته وكأنه يريد أن يقول لي: من هي هذه قطر التي ستستضيف بطولة كأس العالم؟ ومنتخبها ليس له رصيد من البطولات سوى الآسيوية والخليجية؟ ومغامرتها بتنظيم الكأس هو إهدار للمال وربما تخسر بعدها البلايين، حينما تنتهي فعاليات كأس العالم! واضح من أسئلة صديقي أنه يرغب في أن أجيب عن أسئلته، وعاد ليقول لي: هل علمت أن قطر ستلعب مباراة ودية مع إسرائيل؟ هل يرضيك أن قتلة شهدائنا نلعب معهم؟ لم تمضِ دقيقة حتى باغتني بسؤال آخر: هل تعرف أن قطر استعانت بخبير إسرائيلي لإعداد ملفها وتقديمه إلى الاتحاد الدولي لتنظم كأس العالم؟ كنت أعلم أن صديقي يموت كمداً وغيظاً لأنني لم أجبه عن أسئلته، والحقيقة لست ممن لا يردون على الاستفسارات أو التوضيحات، ولكن توقيت السؤال لصديقي لم يكن مناسباً، فقد كنت منشغلاً بمتابعة أفراح القطريين، وكنت أتنقل في كل القنوات العربية أبحث عن الفضائيات التي تشارك القطريين فرحتهم، الحقيقة لم أجد أحداً سوى في الأخبار أو شريط إخباري، حتى القنوات الرياضية الخليجية لم تُعر هذا الإنجاز أي اهتمام. فجأة استشاط صديقي الذي أتعبني بأسئلته غضباً، وجاء ووقف أمامي وقال لي: اسمح لي أنت منهم ومعهم. قلت له: ماذا تقصد بأنني معهم؟ قال: يبدو من تعبيرات وجهك أنك مسرور من إقامة هذه البطولة، ولا تعلم المصائب والكوارث التي ستأتي من خلال هذه البطولة، قلت له ما هذه الكوارث؟ قال لي المفسدات وما يصاحبها من مشكلات أخلاقية وتضييع للأموال. قلت لصديقي: إن قطر ستوفر على مدى 12 عاماً المقبلة ما يقارب 350 ألف فرصة عمل في مشاريع مختلفة، وستدخل البلاد أكثر من 70 بليون دولار لتنفيذ مشاريع إنشائية والعشرات من الشركات العالمية والبنوك لتمويل المشاريع، وسوف تحرك قطاعات اقتصادية مختلفة، بناء فنادق، أبراج سكنية، مشاريع مواصلات، ملاعب، بنية تحتية للمواصلات، وتحديداً قطاع الرياضة. صديقي كان مصراً على أن أوافقه أن تنظيم قطر لكأس العالم هو فقط لتضييع الأموال، وأنا أعذر صديقي، فحال اليأس التي يعيشها والاستسلام وعدم التفكير بطريقة إيجابية ليست فقط مشكلة الشعوب في بعض دول الخليج بل حتى لدى بعض الحكومات والرؤساء، فليس هناك طموح أو رغبة في النجاح، أو التحدي، فوز قطر رسالة لكل من يستسلم لليأس بأن العزيمة والإصرار والرغبة والتحدي يحقق النجاح والفوز. شاهدت بعيني وقرأت بنفسي كيف استعدت قطر قبل أشهر وأعدت ملفها كاملاً يحتوي على كل الاستفسارات والتساؤلات التي قد تُطرح في المحفل الدولي العالمي. ووقفت الحكومة مع الملف واستخدمت نفوذها وقوتها وعلاقاتها وديبلوماسيتها من أجل كسب الأصوات. والأمير حمد بن خليفة آل ثاني وزوجته الشيخة موزة وأبناؤهما، تحركوا بشكل جماعي وأسري، مع فريق معاون لهم لحملتهم خلال الأشهر الماضية. قطر كسرت كل البروتوكولات ونجحت وتقدمت، والفرصة متاحة لدول الخليج الأخرى لأن تفكر خارج الصندوق بأسلوب عصري وحضاري تحافظ به على قيمها، وأيضاً تحافظ على رقي شعوبها وحضارتها، دول الخليج يمكنها أن تستغل فرصة تنظيم كأس العالم في قطر بأن تطور بنيتها التحتية الرياضية وتقوي نظام الاحتراف، وترفع من مستوى منتخباتها الرياضية، وتراجع أنظمتها المتعلقة بالرياضة. لكن ماذا سيضيف كأس العالم إلى دولة؟ يمكنكم أن تسألوا القطريين أنفسهم عن مدى فرحتهم بتنظيم هذه البطولة؛ فيكفي أنها ستحقق نمواً اقتصادياً لقيمة اللعبة في المنطقة قدره 14 بليون دولار بحلول عام 2022، أي بنسبة 52 في المئة، وبعشرة بلايين أخرى بحلول عام 2042، أي بنسبة 46 في المئة. ونظراً للموقع المميز الذي تشغله قطر في قلب قارات العالم تقريباً فإن 82 في المئة من سكان العالم سيكون في إمكانهم مشاهدة مباريات كأس العالم على الهواء مباشرة في وقت الذروة، مع إمكان ارتفاع نسبة المشاهدة للمباراة الواحدة إلى 3.2 بليون مشاهد، ما سيعزز قيمة الحقوق التي سيحصل عليها «فيفا» جراء ذلك. تنظيم كأس العالم في قطر سيسهم في زيادة الحضور الجماهيري لمباريات الكرة التي تقام في مختلف أنحاء المنطقة، ومن المتوقع أن ترتفع حقوق البث التلفزيوني في المنطقة بنسبة 30 في المئة، لتصل إلى 550 مليون دولار. تهنئة لدولة قطر على هذا الانجاز الرياضي العالمي المهم، وهو حدث اقتصادي كبير بالدرجة الأولى، ولي رجاء من الأخوة القطريين أن يمرروا لنا ملفهم لنعدله ونستخدمه لأنفسنا لشحذ هممنا في خلق فرص للتحدي من أجل التنمية. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]