أحكمت وزارة الداخلية التي تقودها حركة «حماس» في قطاع غزة أمس، إغلاق كل منافذ القطاع البرية والبحرية، وكثفت البحث عن منفذي عملية اغتيال القيادي في «كتائب القسام»، الذراع العسكرية للحركة، مازن فقهاء، في وقت ألمح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى مسؤولية إسرائيل عن اغتياله. وأعلن الناطق باسم وزارة الداخلية إياد البُزم أمس، فرض إغلاق كامل للمنافذ المؤدية إلى القطاع إلى أجل غير مسمى. وقال ل «الحياة» إن «الإغلاق يشمل ساحل القطاع من جهة الغرب، والحدود الجنوبية والشرقية والشمالية، وحاجز بيت حانون (إيرز) شمال القطاع». وبموجب القرار، لم تتمكن الفئات المسموح لها من جانب إسرائيل باجتياز الحاجز بموجب تصاريح تصدرها مسبقاً من العبور، وهي المرضى والتجار والطلاب والموظفون العاملون في منظمات دولية والديبلوماسيون. ويهدف هذا الإجراء إلى منع القتلة من الهروب من القطاع عبر الحدود أو من الشواطئ التي تسيطر إسرائيل عليها كافة. وقال البزم إن الوزارة «سمحت فقط للحالات الإنسانية من سكان القطاع بالعودة إليه عصر أمس عبر الحاجز، تقديراً منها لأوضاعهم الإنسانية». وكان مسلحون مجهولون اغتالوا فقهاء بأربع رصاصات من مسدس مزود بكاتم للصوت أسفل عمارة يقطنها مع زوجته وطفليه في حي تل الهوى غرب مدينة غزة. وكشفت زوجته بعض تفاصيل عملية الاغتيال التي تحمل بصمات عمليات جهاز الأمن الخارجي الإسرائيلي «موساد». وقالت إنها قضت وطفلاها وزوجها وقتاً طويلاً خارج المنزل في عطلة نهاية الأسبوع، وعادوا سوياً في ساعات المساء إلى البرج الذي فيه شقتهم. وأوضحت أنها ترجلت وطفلاها من السيارة أمام باب البرج، وصعدوا إلى الشقة السكنية، فيما مضى زوجها لركن سيارته في مرأب السيارات أسفل البرج الذي يتم فتحه وقفله من خلال بوابة يتم التحكم فيها إلكترونياً. وأشارت إلى أنها لاحظت عدم عودة زوجها في الوقت المناسب، فاعتقدت أنه ربما التقى بعض أصدقائه ومكث معهم بعض الوقت، إلا أن انتظارها طال، فاتصلت بهاتفه الخليوي مرتين، فلم يرد، قبل أن تسمع ضجيجاً أسفل المبنى وأصوات الجيران الذين اكتشفوا اغتياله. وتؤكد الوقائع أن القتلة راقبوا ضحيتهم لفترة طويلة، وأنهم كانوا في انتظاره في المرأب ليلة الاغتيال. وقال شهود إن فقهاء وجد مقتولاً في سيارته في المرأب، ما يعني أن القتلة عاجلوه بإطلاق النار، قبل أن يفطن إلى وجودهم أو أن يستخدم سلاحاً بحوزته. وتبين أن إحدى البوابات الخاصة بالبرج السكني كانت مفتوحة، على رغم أنها لم تفتح نهائياً منذ فترة طويلة، ما يظهر تحضير المنفذين جيداً للعملية وعدم ترك أي أمر للصدفة. وتشير الوقائع إلى أنه مر نحو ساعة ونصف الساعة قبل أن يصل أحد سكان البرج إلى المرأب ويجد فقهاء مقتولاً داخل سيارته، فاستدعى أجهزة الأمن فوراً التي شرعت في التحقيق وجمع الأدلة ومشاهدة أشرطة فيديو سجلتها عدسات آلات تصوير منتشرة في المنطقة. ومنذ اغتياله، تسود القطاع أجواء من الترقب الحذر والتوتر والخشية من رد فعل قد تُقدم عليه «حماس» يسفر عن شن عدوان جديد على القطاع. وتواجه الحركة ضغوطاً موضوعية متمثلة في عدم فك لغز اغتيال فقهاء بعد مرور يومين على اغتياله، وأخرى من قواعدها وكوادرها الذين يطالبونها برد موجع وقاس. ويُعتبر اغتيال فقهاء، الذي تتهمه إسرائيل بالمسؤولية مع رفيقه الأسير المحرر عبد الرحمن غنيمات، عن العمل العسكري للحركة في الضفة الغربية في ما تطلق عليه «مكتب الضفة»، أول تحدٍ كبير وخطير أمام المكتب السياسي المحلي المنتخب حديثاً في القطاع بقيادة الأسير المحرر يحيى السنوار. خيارات «حماس» ولدى قيادة الحركة الجديدة والسنوار الذي لم يُدل بأي تصريحات منذ اغتيال فقهاء، خيارات عدة، من بينها استهداف تجمعات سكنية أو عسكرية أو مطارات أو منشآت حيوية داخل إسرائيل بصواريخ متطورة نسبياً تمتلكها الحركة من صنع سوري أو إيراني. أما الخيار الثاني، فيتمثل في تنفيذ عملية فدائية كبرى وموجعة ضد الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين في الضفة، بما فيها القدس. أما الخيار الثالث، فيتمثل في تنفيذ عملية استشهادية كبرى في حافلة أو داخل مطعم أو فندق في إحدى المدن الكبرى داخل إسرائيل. وهناك خيار رابع صعب تحقيقه نسبياً يتمثل في اغتيال شخصية إسرائيلية رفيعة سياسية أو عسكرية، سواء موجودة في السلطة حالياً أو سابقاً، على غرار اغتيال «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وزير السياحة الإسرائيلي اليميني المتطرف رحبعام زئيفي في أحد فنادق القدس رداً على اغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى في رام الله. أما الخيار الخامس، فيتمثل في تنفيذ عملية ضد أحد المصالح الإسرائيلية في الخارج، مثل السفارات أو القنصليات أو الشركات، أو ربما اغتيال مسؤول إسرائيلي في الخارج. وتبقى كلفة هذه الخيارات باهظة الثمن، إذ من المرجح في حال تنفيذ واحد منها أو أكثر، أن تلجأ إسرائيل إلى شن حرب شعواء على القطاع. لكن الخيار السادس، قد يكون الأقل كلفة وضرراً، ويتمثل في «صمت» الحركة وعدم الرد، أسوة بعدد من القادة الذين اغتالتهم إسرائيل ولم ترد على رغم التهديد والوعيد بالرد. في هذه الأثناء، قالت وسائل إعلام عبرية إن ليبرمان أجرى دردشة على حسابه على «فايسبوك» مع متابعيه الذين وجهوا إليه عدداً من الأسئلة، من بينها سؤال عن عدم تنفيذ وعده باغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية بعد 48 ساعة على توليه منصبه وزيراً للدفاع. وقال ليبرمان: «الحكمة هي أن نتصرف بمسؤولية وصرامة. تحدثوا معي عن هنية عند انتهاء فترتي كوزير للدفاع»، في اعتراف ضمني باغتيال فقهاء، وتهديد واضح باغتيال هنية. وزاد من تلميحاته، وقال: «ندير سياسة جديدة ضد حماس في شكل مسؤول وصارم. من ير ردودنا يدرك أن هذه سياسة مختلفة، مسؤولة وصارمة».