عَكَسَ إحياء عيد العمال عمق الاحتقان في تركيا، إذ شهدت احتفالات الأول من أيار (مايو) مواجهات في اسطنبول بين متظاهرين وشرطة مكافحة الشغب التي منعتهم من الوصول إلى ساحة «تقسيم» التي تحوّلت رمزاً للاحتجاجات في البلاد. ولم يقتصر التوتر على تركيا، إذ شهدت تظاهرات الأول من أيار مواجهات في دول أخرى، بينها كمبوديا وإيطاليا، فيما عرض العمال مطالبهم في ماليزيا وإندونيسيا والفيليبين وتايوان وفرنسا واليونان وإسبانيا وبلدان أخرى (راجع ص 8) وكانت اتحادات نقابات العمال في تركيا دعت إلى مسيرة نحو ساحة «تقسيم» حيث قُتل 8 أشخاص في الاحتجاجات ضد الحكومة الصيف الماضي. لكن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان منع التجمّع في الساحة التي تُعتبر مكاناً رمزياً للنضال الاجتماعي، ونشرت السلطات 40 ألف شرطي لمنع الوصول إليها. وبرّر محافظ اسطنبول حسين عوني موتلو منع التظاهرات، بامتلاكه «معلومات» عن تخطيط «تنظيمات إرهابية غير شرعية وتوابعها» لإثارة اضطرابات في «تقسيم». واقترحت الحكومة أن يتجمّع المتظاهرون على مشارف اسطنبول، لكن اتحادات نقابات العمال رفضت الفكرة، ووصفت الحظر بأنه «ليس منطقياً ولا شرعياً»، مشددة على أن «كل الطرق ستؤدي إلى تقسيم في عيد العمال، وسيستمر كفاحنا من أجل العمال والمساواة والحرية والعدل والسلام». ووُضِعت عوائق معدنية في كل الشوارع المحيطة بالساحة، وشُلَّت حركة السير وأُغلِقت محطات المترو وأُقفِل القسم الأكبر من المتاجر. لكن المتظاهرين، ومعظمهم من «حزب الشعب الجمهوري» المعارض واليسار المتطرف، اعتمر بعضهم خوذاً ووضعوا أقنعة للأوكسيجين، احتشدوا هاتفين «جميعنا متحدون ضد الفاشية!» و «تقسيم في كل مكان ومقاومة في كل مكان» و «الدولة القاتلة ستدفع الثمن». وسعى المتظاهرون إلى الوصول إلى «تقسيم»، فاستخدمت الشرطة خراطيم مياه ورصاصاً مطاطياً وقنابل مسيلة للدموع لتفريقهم. وردّ المتظاهرون برمي الشرطة بزجاجات حارقة وحجارة وألعاباً نارية، وشهدت الشوارع المؤدية إلى الساحة عمليات كرّ وفرّ بين الجانبين أسفرت عن جرح 51 شخصاً وتوقيف حوالى 160، كما أعلنت «هيئة المحامين التقدميين». النائب عن «حزب الشعب الجمهوري» محمود تنال الذي أُصيب بجروح طفيفة، قال لأنصاره: «هذه الحكومة تتصرّف مثل أسوأ ديكتاتورية. الشعب والقانون والقضاء والمحاكم يسخرون منها، وسأرفع شكوى لمعاقبتها على الاعتداء الذي تعرّضت إليه». وسمحت السلطات لاتحادٍ عمالي بوضع إكليل من الزهر في «تقسيم»، في ذكرى 34 شخصاً قُتِلوا في الساحة خلال تظاهرة الأول من أيار عام 1977، بعد إطلاق نار على الحشد من مبنى مجاور. وفي أنقرة، استخدمت الشرطة خراطيم مياه وقنابل مسيلة للدموع، لتفريق مئات من الأشخاص كانوا يسيرون نحو ساحة «كيزيلاي» التي تشهد دوماً احتجاجات ضد الحكومة. وانتقد رئيس «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليجدارأوغلو «التدخل الجائر» لقمع المتظاهرين، معتبراً أن الحكومة «تخاف من العمال». وذكّر بأن الأول من أيار «عيد رسمي» في تركيا، «يمكن إحياؤه أينما كان وكيفما كان». وأوردت صحيفة «حرييت» أن راكباً حاول خطف طائرة ركاب، خلال رحلة من نيقوسيا إلى أنقرة، مهدداً بتفجير قنبلة إذا رفض القبطان تحويل مسارها إلى اسطنبول، ليشارك في تظاهرات عيد العمال. أردوغان الذي يواجه فضيحة فساد كبرى، حظّر لأسبوعين موقع «تويتر» وحجب موقع «يوتيوب». وخفّض مركز «فريدوم هاوس» للبحوث (مقره واشنطن) تصنيف تركيا في ما يتعلق بحرية الصحافة، من «حرة جزئياً» إلى «غير حرة»، في تصنيفه السنوي لحرية الصحافة، مذكّراً بأن تركيا ما زالت أبرز «سجّان» للصحافيين.