في إطار عرضها حال لاجئين سوريين بعد مرور سنة على وصولهم إلى كندا، توجهت إليهم وزيرة الهجرة والتنوّع والشمول والاندماج كاترين ويل بالقول، إن «التحدي القريب أمامكم هو وصولكم إلى سوق العمل»، مشيرة إلى أن «هذا الهدف يتحقق عادة عبر مرحلتين: تعلّم اللغة الفرنسية خلال السنة الأولى ومن ثم التوجّه نحو سوق العمل عبر برنامج اندماج المهاجرين والأقليات المنظورة». والملاحظ أن تبسيط هذه التحديات وتقديمها على شكل صورة وردية شيء ومواجهتها بالمعطيات الراهنة على أرض الواقع شيء آخر. بمعنى أن السنة الأولى انتهت ولم يكن لدى وزيرة الهجرة أية مؤشرات تُنبئ باندماجهم اللغوي أو وصولهم إلى برامج العمل المختصة بهم. وفي هذا السياق، تعلق جريدة «لو دوفوار» المونتريالية على تصريحات ويل بالقول: «على الورق تبدو الصورة مضيئة وفي الواقع وهم وسراب». حالة استثنائية تتعامل أدبيات الهجرة عادة مع اللاجئين الجدد إلى كندا كحالة إنسانية استثنائية طارئة (الهروب من الحروب والفتن الداخلية المميتة)، لا تندرج مثلاً في إطار الهجرة الاقتصادية (توظيف رأسمال للإستثمار) أو الهجرة الدائمة المعززة بالكفاءات المهنية والعلمية والتكنولوجية، وحتى هذا النوع من المهاجرين يحتاج إلى الاستقرار الإجتماعي والاقتصادي إلى وقت وصبر طويل قد يمتد سنوات، خلافاً لمعظم اللاجئين السوريين القادمين إجمالاً من بيئات فقيرة مهمّشة، ويجهلون إحدى اللغتين الفرنسية والإنكليزية الرسميتين في كندا، كمدخل إلزامي لا بدّ منه للاندماج في المجتمع الجديد وفي سوق العمل. من سيء إلى أسوأ يواجه لاجئون سوريون مشكلة كبيرة بعد انقضاء فترة السنة الواحدة المحددة لاستفادتهم من المساعدات الحكومية لهم، إذ كيف يتدبرون أمورهم المعيشية والسكنية، ولم يتسنَ لهم بعد الإلمام بالفرنسية أو العثور على فرصة عمل؟ هذه الإشكالية واجهت حكومة كيبيك عام 2011، حين استقبلت 1087 لاجئاً عراقياً وتبنّت إعانتهم على نفقتها. فبعد انقضاء السنة الأولى على إقامتهم، غادروا إلى مقاطعة تورونتو الأنغلوفونية، ما دفع قسم كبير من اللاجئين السوريين إلى أن يحذوا حذوهم وينتقلوا إلى إحدى المقاطعات الاتحادية على بأمل أن «يستقروا فيها ويجدوا فرصة عمل وحياة أفضل، أقله التخلّص من كابوس اللغة الفرنسية وصعوبة التحدّث باللهجة الكيبيكية»، على حدّ تعبير مروان حجو (37 سنة، رب عائلة سورية من ثلاثة أشخاص). ويبدو أن فشل تجربتي اندماج لاجئين عراقيين وسوريين على مستوى المجتمع والعمل، شكّل إرباكاً كبيراً لحكومة كيبيك التي عليها أن تتعامل مع مثل هذه الإشكالات لدى استقبالها مزيد من اللاجئين السوريين في السنوات المقبلة. وتعقّب صحيفة «لابرس» على إرباكات الحكومة وتصفها بأسلوب لا يخلو من السخرية، فتورد: «إذا كانت كيبيك تريد حقاً مرافقة اللاجئين السوريين إلى سوق العمل وضمان اندماجهم الناجح في غضون سنة واحدة (إعادة لعبارات وزيرة الهجرة كاترين ويل)، إلا أنه لم تصدر بعد بيانات حول ما تدعيه من التكامل اللغوي وبرامج التوظيف المخصصة لهم، ما يعني سنة أخرى من الانتظار الصعب أو الاتجاه إلى حلول أسوأ». المكفولون أوفر حظاً تؤكّد نائبة وزيرة شؤون الهجرة واللاجئين والجنسية الكندية داون أدلنر في مقارنة بين اللاجئين السوريين المكفولين من الحكومة وأولئك المكفولين من أفراد أو مؤسسات كندية أو منظمات إنسانية، أن 50 في المئة من هؤلاء وجدوا عملاً قياساً إلى 10 في المئة لمكفولي الدولة. وتعقّب أدلنر على هذا التفاوت في معدّلات فرص العمل موضحة «أن أحد أهم أسباب التباعد بين هاتين النسبتين هو أن المكفولين حكومياً هم أقل ثقافة وأكثر جهلاً بالفرنسية أو الإنكليزية، فيما يحظى المدعومون من الجهات الخاصة (بمن فيها أصدقاؤهم وأقاربهم ومعارفهم المقيمون في كندا منذ فترة طويلة) بفرص عمل جيدة لدى عدد من أصحاب المؤسسات العائدة للعرب أو للسوريين أو غيرهم». كما تكشف أدلنر عن معاناة فئات أخرى من اللاجئين السوريين كالنساء اللواتي يجهلن بمعظمهن التحدّث بأية لغة أجنية، أو يمكن أن يزاولن أي عمل مهني ما يجعل حياتهن أشبه بإقامة جبرية. أما المشكلة الأكبر خطورة فتتمثل بالفتية (من الجنسين) الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر. فهؤلاء لا يستطيعون متابعة دروس اللغة الفرنسية أو الإنكليزية، لأنها مخصصة أصلاً للبالغين (18 سنة وما فوق). ولا يمكنهم دخول المدارس الحكومية نظراً إلى كبر سنهم، ولا يستطيعون العمل لعدم بلوغهم السن القانونية (18 سنة). العمل أهم من الكفاءات يسود اعتقاد كبير في أوساط المهاجرين واللاجئين بأن فرص العمل والاندماج في كيبيك أكثر صعوبة مما هي عليه في أي مقاطعة كندية أخرى. وفي هذا السياق، تؤكّد شانتال بوارييه مديرة جمعية إتنو- ثقافية تعنى بشؤون اللاجئين في مقاطعة نوفو برانزويك، أن «15 في المئة من اللاجئين السوريين وجدوا عملاً بينهم سيدات يعملن في مصانع للخياطة»، مشيرة إلى أن «هذه النسبة هي الأعلى التي يحصل عليها لاجئون في غضون سنة واحدة». ومن بين هؤلاء المحظوظين نضال رشيد (لاجئ سوري متزوج وأب لأربعة أطفال وصل إلى كندا في كانون الثاني/ يناير 2016)، الذي يقول «عملت في سورية مهندساً مدنياً طيلة 17 عاماً، وأنا أتكلّم الإنكليزية جيداً. إلا أن هذه المؤهلات لم تهيئ لي عملاً. فأرسلت عشرات السير الذاتية إلى مؤسسات كندية، ولم أتلق جواباً واحداً». ويضيف: «أصبحت في حالة يأس شديد. بطالة، هموم عائلية، مصير غامض، ضياع، إلى أن جاءني الفرج من حيث لا أدري عبر اتصال من بوارييه للعمل في وظيفة متواضعة».