لم تخل أروقة مستشفى الصحة في محافظة الطائف من إبداع وقف خلفه مرضى نفسيون حفروا أسماءهم في ذاكرة التاريخ من خلال لوحات فنية تنم عن درجة من العبقرية التي لا يفصل بينها والجنون سوى «شعرة». يبدو أن ما ظهر يوحي بأن أناساً أصيبوا بأمراض نفسية ألزمتهم المصحات، بيد أن الموهبة العصية تجاوزت ظروفهم المرضية وتفجرت من أعماقهم لتعلن للوجود عن مواهب في صفوفهم، البعض منها يعود إبداعها إلى أنامل رحلت عن الدنيا وبقي إنتاجها الفني، مرت بعشرات السنين وهي لا تعدو كونها لوحة علقت على حائط لتبقى ذكرى خالدة للراحل. وكشف مدير مستشفى الصحة النفسية الدكتور جلال تارم ل «الحياة» وجود قسم يحمل مسمى العلاج المهني أو (العلاج بالعمل) أظهر تلك الصور التي تحمل للمتذوق أنواعاً عدة من الفن وتعطي للمريض النفسي مساحة للتعبير عما يدور بداخله، يقدم خدماته لمرضى ومريضات وحدة التأهيل النفسي ذوي الإقامة الطويلة في المستشفى الذين يحالون إليه من مناطق المملكة كافة، ويكونون بحاجة إلى إعادة تأهيلهم نفسياً. وفي هذا السياق، قال: «تأسس المركز منذ أكثر من 35عاماً، وهو يتألف من أقسام عدة تتمثل في قسم خاص بالرسم والأعمال الفنية (للرجال والنساء)، ويوجد به بعض اللوحات الفنية لبعض المرضى الذين يرتادون المركز منهم من هو على قيد الحياة ومنهم من رحل ولكن يبقى المركز محتفظاً بأعمالهم التي تعد في غاية الإبداع، كاشفاً أعمالاً فنية في أقسام النساء صنعتها بعض المريضات. والمح إلى أنه يوجد قسم للنجارة وآخر للكهرباء وثالث للتبريد والتكييف (للرجال) وقسم للخياطة للجنسين، إضافة إلى قسم للطبخ (للنساء)، يمارس فيها المرضى في هذه الأقسام بعض الأعمال البسيطة التي لا تشكل خطراً على المريض أو العاملين في المركز. وأفاد أن المركز تتبع له مزرعة كبيرة في شرق مدينة الطائف خصصت للترويح عن المرضى من جهة، ومن جهة أخرى كمركز للعلاج المهني الزراعي لتدريب وتأهيل المرضى بما يتناسب مع أوضاعهم ورغباتهم تحت إشراف متخصصين في هذا المجال، إذ يستطيع المريض النفسي أن يبدع في مجال معين حال وجود موهبة مسبقة (قبل المرض) ليستمر على تنميتها داخل المركز شريطة الانتظام على العلاج الطبي. وتابع الدكتور تارم: « شاركنا بأعمال النزلاء الفنية والحرفية في معارض عدة خارج المستشفى وداخله بالتعاون مع جهات وجمعيات مختلفة»، معتبراً نظرة المجتمع لهذه المخرجات إيجابية من خلال استطلاع الرأي أثناء المشاركات في المعارض بأعمال المرضى، ولفت إلى أن عرض بعض اللوحات الفنية من إنتاج وتصميم المرضى في مزادات علنية تم بيعها بأسعار رمزية بسيطة وضعت في أمانات أصحابها. وأوضح أن أقدم مريض استفاد من خدمات المركز يبلغ من العمر حوالى 57 عاماً ومدة إقامته في المستشفى 16عاماً قدم خلالها أكثر من 40 عملاً فنياً.