حَصَلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على سبق التصوير في قاعات مجلس اللوردات البريطاني وأروقته وغرفه الخاصة. وبذلك، تكون هي المؤسسة الإعلامية الأولى التي يُسمح لها بتسجيل ما يحصل بين جدران هذا المجلس، وهو من أقدم المؤسسات الديموقراطية في العالم. هكذا ظلت كاميرات «بي بي سي» تصوّر الحياة اليومية للمجلس على مدار عام كامل، لتخرج منها ببرنامج تسجيلي من ثلاث حلقات عُرض أخيراً على شاشتها الثانية بعنوان «مرحباً بكم في مجلس اللوردات». وإذا كان القاصي والداني يعرف مجلس العموم البريطاني، الذي أصبحت مشاهد مناكفات أعضائه من أيقونات صور الحياة السياسية البريطانية، فإن قلّة فقط تفهم تركيبة العمل في مجلس اللوردات وآلياته، علماً أنه يلعب دوراً مهماً في الحياة السياسية البريطانية، ويستطيع أحياناً الوقوف ضد قرارات مجلس العموم وإبطالها. ولكن تحت سقف مبناه التاريخي تجرى صراعات سياسية لا تقل شراسة عن تلك التي تدور في نظيره مجلس العموم البريطاني. ولعلّ قانون تعيين الأعضاء في المجلس أبعده عن اهتمام الوسائل الإعلامية البريطانية، فأعضاء المجلس لا يُنتخبون مثل المجلس الآخر كل أربعة أعوام. بل يتم تعيين بعضهم من طريق الحكومة البريطانية، فيما تقوم المؤسسات الدينية بتعيين بعضها الآخر، وهناك من يرث منصب العضو في هذا المجلس من عائلته الأرستقراطية. كلّ هذا، بالإضافة الى معدل أعمار لوردات المجلس والذي يقترب من السبعين عاماً، جعله بمنأى عن فضولية وسائل إعلام بريطانية غالباً ما تنبش في الحياة الخاصة والعامة للسياسيين البريطانيين. يرافق البرنامج أعضاء من المجلس وهم يمارسون عملهم اليومي، ويسلط الانتباه على حياتهم خارج المجلس ويصورهم في بيوتهم. من شخصيات البرنامج، نائب من أصول أفريقية من حزب العمال البريطاني، وهي تمثل الدماء الجديدة في المجلس، والمتمردة على بعض التقاليد القديمة فيه، وخصوصاً في ما يتعلق بملابسها. ومن الشخصيات الأخرى، نبيل، وهو من أسرة أرستقراطية، يأخذ كاميرا البرنامج في الحلقة الأولى ليريها المكان الذي يعلّق فيه الأعضاء معاطفهم، والتي يملك كل «لورد» مكاناً ثابتاً فيها، وكيف أن الاسم الموجود لعائلته لم يتغير منذ قرن تقريباً، لأنه ورث مكانه في المجلس من عائلته. سَمَحَ الوقت الطويل الذي قضاه البرنامج التلفزيوني بين جدران المجلس بتتبع سير عمله في العلاقة لبعض القرارات المهمة، فبدأت الحلقة الأولى منه والمجلس يستعد لقرار جديد يخص الإيجارات لمحدودي الدخل في بريطانيا، وهو القرار الذي تريد الحكومة البريطانية تمريره، فيما تقف ضده المعارضة من حزب العمال. ويرافق البرنامج الشخصية النسائية المذكورة سالفاً، وهي تحاول إبطال مشروع قانون يمنع الأُسر التي تتبنى أطفالاً من تلقي مساعدات الحكومة الخاصة بالأبناء غير البالغين، وهي القضية القريبة من قلبها لأنها قامت مع زوجها بتبني ثلاثة أطفال بعد عجزهما عن الإنجاب. علاوة على تركيزه على شخصيات معينة، يسجل البرنامج الحياة اليومية في المجلس الذي تهيمن عليه تقاليد قديمة تحدّد الكثير من العادات، مثل: طريقة تحية الأعضاء وجلوسهم في غرف الطعام وغيرها من التفاصيل الأخرى. ويبرز البرنامج الفروقات الطبقية بين أعضائه، فيرافق عضواً فيه قضى بعض حياته مشرداً في الشوارع، ويقابل البرنامج أيضاً أعضاء آتين من طبقات أرستقراطية بريطانية قديمة تكاد تنقرض من الحياة العامة في المملكة المتحدة. تأخذ كل حلقة من البرنامج مساراً مختلفاً لجهة القصص والشخصيات التي تقدمها. فالحلقة الأولى التي رافقت النائب العمالية المتمردة تنتهي بها وقد حققت ما تريد، اذ ساهمت حملتها داخل المجلس بمنع الحكومة من إيقاف معونات الأطفال المتبنين. بيد أن هذه السيدة النشيطة والشديدة الذكاء ستترك المجلس وتودع حياة سياسية امتدت على عقدين، بعدما قبلت وظيفة عرضت عليها من موقع «يوتيوب» في الولاياتالمتحدة، لتودّع بهدوء، وعبر مشاهد مؤثرة، مكتبها الخاص في المجلس متجهةً الى بلدٍ وتحدٍّ جديدين.