تخلت سعوديات عن الفساتين البيضاء والوردية أو ذات الألوان الزاهية، وفضلن ارتداء الخاكي أو الزيتي والعشبي المنقط بألوان أخرى غامقة خلال ساعات عملهن. لا تعمل هؤلاء السعوديات في المدارس والمستشفيات أو المصارف أو في مكاتب شركات وثيرة أو حتى في مصانع، بل في السجون ودور التوقيف والمنافذ الحدودية، إنهن العسكريات السعوديات. في العقد الأخير انتظمت سعوديات في العمل العسكري والأمني في قطاعات عدة، ففي وزارة الداخلية شرعت المديريات العامة للسجون وحرس الحدود والجوازات، أبوابها أمام النساء، وكذلك فعلت وزارة الحرس الوطني، فيما فتحت المديرية العامة للدفاع المدني باب التطوع للسيدات. وبدأ عمل السعوديات في القطاعات العسكرية يأخذ بعداً منظماً أكثر بعدما أنشأت لهن مراكز تدريب متخصصة في المجالات الأمنية والإدارية، واستقطاب كفاءات عالمية للتدريب في هذه المراكز. سجانات مُدربات على مكافحة الشغب أسست المديرية العامة للسجون أول مركز متخصص لتدريب وتطوير القدرات النسائية في القطاعات العسكرية والأمنية، وبدأ العمل فيه قبل عامين، وذلك «لما للمرأة دور فعال في السجون النسائية، سواء أكانت عسكرية أم سجانة»، ويشرفن على أمن السجون والنزيلات، ويتولين الأعمال الإدارية الخاصة بمعاملات السجينات، والإشراف على البرامج الإصلاحية المقدمة لهن. وقالت مديرة المركز مها الدوسري: «المركز يُعنى بتدريب منسوبات السجون من الملاحظات العسكريات والموظفات المدنيات، من خلال مسارات تدريبية عدة، منها الأمنية وأخرى مدنية، تشمل جميع الفئات والمهارات الواجب توافرها لتأدية المهمات في شكل دقيق». ويتكون البرنامج التدريبي من أقسام عدة، منها: أنظمة ولوائح السجن والتوقيف، ونظام الأفراد، وتطوير الذات، ويحوي الجزء الأكبر من البرنامج التدريب العسكري، ومهارات التفتيش، والدفاع عن النفس، ومكافحة الشغب. وأفادت الدوسري بأن الدورة تركز في برنامجها على التدريبات الرياضية اليومية لرفع اللياقة البدنية على أيدي مدربات متخصصات في ذلك، مشيرة في مقابلة تلفزيونية أجريت معها إلى أن الموظفات في المركز يحملن درجة الماجستير وعلى رتب عسكرية ومتخصصات في الأمن والإدارة، ويغطي المركز كل قطاعات وزارة الداخلية، وليس فقط منسوبات السجون. دكتورات برتبة «رئيس رقباء» في العام 2015، كشف المتحدث الرسمي للمديرية العامة لحرس الحدود السابق اللواء محمد الغامدي ل«الحياة» عن استفادة قطاعه إيجابياً من توظيف المرأة، وذلك عبر استقطاب كوادر نسائية سعودية يحملن شهادات تعليمية تصل إلى الماجستير والدكتوراه. إلا أنه أشار إلى أن أعلى رتبة عسكرية يمكن أن تصل إليها الموظفة في «حرس الحدود» مهما كان مؤهلها الدراسي تتوقف عند رتبة «رئيس رقباء»، مضيفاً: «لدينا الآن أكثر من 100 سيدة يعملن في المديرية، بمؤهلات متنوعة تبدأ من الثانوية العامة وتنتهي في الدكتوراه». وتعمل السيدات تحت ثلاثة مسميات رسمية، هي: مفتشة، وسجانة، إضافة إلى وظيفة عسكرية، ويتوزعن ضمن قطاعات حرس الحدود المنتشرة بين المدن والمطارات والموانئ السعودية. وتبدأ الوظائف من رتبة «جندي» بمؤهل لا يقل عن الثانوية، ويتدرجن عبر: جندي، وجندي أول، وعريف، ورقيب أول انتهاء عند رئيس رقباء. ضابط صف في «الجوازات» في المديرية العامة للجوازات بدأ دخول العنصر النسائي بوظائف «مدنية»، قبل أن يتم تعيينهن عسكريات عام 2010 في المنافذ الحدودية. وقال المدير العام للجوازات اللواء سليمان اليحيى في تصريح سابق ل«الحياة»: «ما يجري في الأقسام الرجالية من تطوير للكوادر سيطبق على الأقسام النسائية». وأوضح أن موظفات الجوازات في القسم النسائي منهن موظفات مدنيات، وأخريات يعتبرن عسكريات. وأوضح مدير جوازات منطقة الرياض اللواء سليمان السحيباني، أن «جميع العسكريات يحملن رتبة واحدة وهي ضابط صف، لأن هذا النظام جديد». مجندات في «الحرس الوطني» بدأت رحلة السعوديات في وزارة الحرس الوطني عام 2012، حينما أعلن رئيسه حينها (الوزير حالياً) الأمير متعب بن عبدالله، استحداث أقسام نسائية لتجنيد المرأة السعودية في الحرس الوطني. ويقابل عمل السعوديات في المجالات العسكرية والأمنية بمعارضين ومؤيدين في الأوساط الاجتماعية والرسمية، ففي مناقشة التقرير السنوي لوزارة الحرس الوطني بمجلس الشورى في كانون الثاني (يناير) الماضي، أوصت اللجنة الأمنية بضرورة «تعزيز وجود المرأة وتفعيل دورها بشكل أوسع في قطاعات الحرس الوطني»، وذلك بحسب نائب رئيس لجنة الثقافة والإعلام في المجلس فاطمة القرني، إلا أن هذه التوصيات هوجمت من أعضاء آخرين رأوا أن التوصية «تقحم المرأة في مجالات لا تناسبها». وقالت القرني: «لاحظت من مداخلات بعض الزملاء أن منهم من رأى في ذلك إقحاماً للمرأة في مجالات لا تناسبها، ومن هنا انطلق استدراكي وتعقيبي الموجز في أن مهمات وزارة الحرس الوطني ليست عسكرية بحتة، بل هي وغيرها من وزاراتنا الأمنية تتضمن قطاعات مختلفة، للمرأة دور كبير وفاعل في أداء مسؤولياتها». وزادت: «إذا نظرنا للجانب الميداني العام فمنسوبو ومنسوبات وزارة الحرس الوطني مشاركون في الكثير من المناسبات الموسمية، منها خدمة الحجاج وزوار الحرمين الشريفين، وكذلك في حالات الطوارئ المباغتة، مثل مواسم الأمطار، ما يحتاج معه إلى خدمات ميدانية عاجلة»، مشيرة إلى برنامج «الأمان الأسري». يُذكر أن مسح القوى العاملة الصادر في الربع الثالث عن الهيئة العامة للإحصاء، أظهر أن ثلثي العاملات السعوديات يعملن في قطاع التعليم بنسبة 69.9 في المئة، وتليهن العاملات في قطاع الصحة البشرية والخدمة المدنية ب13.3 في المئة. وتخطط المملكة من خلال برنامج «التحول الوطني 2020» إلى زيادة القوة العاملة النسائية من 23 إلى 28 في المئة، ما يستدعي زيادة دخول المرأة في مجالات عمل مختلفة غير التي اعتادت عليها، وتذليل العقبات وتوعية المجتمع بأهمية انضمام المرأة للعمل العسكري والأمني.