ظل السودان مسرحاً لنزاعات مسلحة واضطرابات أهلية منذ أكثر من نصف قرن. وفي اقليم دارفور، كانت موجات الجفاف المتكررة وازدياد الضغط السكاني والتهميش السياسي من القوى التى دفعت الإقليم الى دوامة من العصيان وأعمال العنف، أودت بحياة أكثر من 300 ألف شخص وأدت الى تهجير أكثر من مليونين منذ عام 2003. ولئن كانت أسباب النزاع في دارفور كثيرة ومعقدة، فقد بينت دراسة تحليلية للبيئة والنزاع، أجراها برنامج الأممالمتحدة للبيئة، أن التغير المناخي في الإقليم وشح المياه والخسارة المطردة للأراضي الخصبة هي عوامل أساسية مهمة. وقد تفاقم نقص الأراضي الخصبة والمياه مع قدوم النازحين من جنوب السودان إبان الحرب الأهلية. أدى الرعي الجائر وتعرية الغابات الى تقليص رقعة الغطاء النباتي، وبالتالي انجراف التربة السطحية وتدهور نوعيتها. وقوَّض زوال الأشجار والنباتات الواقية الدفاعات الطبيعية ضد الرمال الزاحفة. والى ذلك، تعرض الإقليم لانخفاض ملحوظ في هطول الأمطار. ومن أصل السنوات العشرين الأكثر جفافاً التي شهدها شمال دارفور في التاريخ المسجل، سجلت 17 سنة منذ عام 1972. ومع ارتفاع الكثافة السكانية وتنامي الطلب على الموارد، أدت موجات الجفاف المتكررة في ظروف شبه فوضوية الى تعزيز التنافس العنفي بين المزارعين والبدو والرعاة في الإقليم، حيث نحو 75 في المئة من السكان يعتمدون في شكل مباشر على الموارد الطبيعية لكسب رزقهم. ومع التزايد السريع في أعداد السكان والمواشي، اتضح مدى ضعف المؤسسات المشرفة على استخدام الأراضي والمياه، وكانت بعض المجموعات محرومة في شكل خاص. فالتّصحر والجفاف لا يؤديان بالضرورة الى نزاع، لكن إذا تسببا في الفقر والتهميش والهجرة، فإنهما يخلقان ظروفاً تجعل العنف خياراً جذاباً للشبان غير المتمكنين. وقد تم تجنيد مجموعات من الرعاة المهمَّشين، على سبيل المثال، في ميليشيات لخوض «حروب بالوكالة» حيثما كان بمقدورهم الإغارة على قطعان الماشية. كذلك البدو، الذين تقوضت سبل عيشهم القائمة على رعي الجمال بفعل الجفاف والتصحر، كانوا أيضاً فريسة سهلة للمجموعات المسلحة في الإقليم. وبما أن تغير المناخ سيزيد الى حد بعيد الضغوط على الأراضي والمياه، فإن دارفور ومنطقة الساحل برمتها، التي أطلق عليها أخيراً لقب «موقع الكارثة المناخية الأولى»، يجب أن تضع التكيف في صلب خططها الخاصة بالتنمية ووقف النزاعات. واضافة الى حل التوترات العرقية التي طال أمدها في دارفور، فإن السلام الدائم يعتمد على معالجة مشكلة التنافس الأساسي على المياه والأراضي الخصبة. مذبحة الأشجار الناس العالقون في خضم الأزمة التي عصفت بإقليم دارفور منذ أكثر من سبع سنوات عمدوا الى قطع مساحات كبيرة من الغابات. وبات الغطاء الشجري متفرقاً جداً بحيث إن اللاجئين في بعض المناطق يضطرون الى اجتياز مسافة 75 كيلومتراً من مخيماتهم ليعثروا على خشب يبيعونه للبناء أو يستعملونه حطباً للوقود. هذا بعض ما جاء في تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2009 وعنوانه «الفقر والتشويه وتعرية الغابات». وهو أشار الى أن الطلب على الخشب في مدن دارفور الرئيسة الثلاث، وهي الفاشرونيالا والجنينة، ازداد ما بين ضعفين وثلاثة أضعاف منذ بدء النزاع عام 2003. وازدادت أعداد مناشر الخشب وأتونات شي الطوب التي تعمل على الحطب لتلبية الطلب المرتفع على مواد البناء، اللازمة لإقامة قواعد جديدة لقوات حفظ السلام ومخيمات اللاجئين ومساكن لموظفي الأممالمتحدة. ويحرق في أتونات الطوب وحدها نحو 52 ألف شجرة سنوياً، ما يعني أن «النمط الحالي لصنع الطوب يخلف تأثيراً كارثياً على بيئة دارفور الهشة». وتحتل الأتونات أراضي زراعية قيمة وتدمرها في كثير من الحالات من طريق اقتلاع الأتربة الصلصالية حول القرى والمدن لاستخدامها في صناعة الطوب. المزارعون، الذين اضطرهم النزاع الى هجر حقولهم واللجوء الى مخيمات النازحين، غالباً ما يجدون أن تجارة الأخشاب هي العمل الوحيد المتاح لهم. ويقول خبراء دوليون إن أكثر من 2,5 مليون شخص هجروا منازلهم منذ حمل ثوار - معظمهم ليسوا عرباً - السلاح ضد الحكومة عام 2003، متهمين الخرطوم بأنها أهملت هذا الإقليم الغربي النائي. وقد لجأ معظم النازحين الى مخيمات حول المدن الرئيسة ومعسكرات قوات حفظ السلام. وأفاد التقرير بأن انتقال الناس من الأرياف الى المدن «أحدث زيادة فجائية كبيرة في الطلب على حطب الوقود». وثمة أدلة أيضاً على أن الثوار والجنود الحكوميين شرعوا في كسب المال من بيع خشب الماهوغاني وأشجار صلبة أخرى من أجل تجارة الأثاث. وقد دمرت غابة كوندوا الشهيرة في نيالا نتيجة القطع المفرط بين عامي 2005 و2007، وهذا ما يعتبره كثيرون «مأساة كان يمكن تجنّبها». ودعا التقرير المنظمات المهتمة بالتنمية الى إطلاق حملات توعية بيئية واقامة مشاريع تجريبية لاستعمال مصادر بديلة للوقود ومواد البناء. (ينشر بالتزامن مع مجلة «البيئة والتنمية» عدد كانون الأول/ ديسمبر 2010)