لوّحت جماعة «الإخوان المسلمين» بمقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية المصرية التي تجرى الأحد المقبل، احتجاجاً على التجاوزات في المرحلة الأولى التي أجريت الأحد ولم يتمكنوا من الفوز بأي مقعد خلالها، فيما شن «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم حملة مضادة أمس للرد على الاتهامات لمرشحيه بالتزوير على نطاق واسع. وقال المرشد العام ل «الإخوان» محمد بديع خلال مؤتمر صحافي عقده أمس في مقر الجماعة في القاهرة، إن «كل الخيارات مفتوح أمامنا في ما يخص جولة الإعادة، وسنرجع إلى مؤسساتنا لاستصدار القرار». وخاض «الإخوان» الذين كانوا يهيمنون على خُمس مقاعد البرلمان السابق، الانتخابات ب 130 مرشحاً لم يفز أي منهم من الجولة الأولى، وتمكن 27، بينهم 16 نائباً سابقاً، من دخول جولة الإعادة المقررة الأحد المقبل. وعزت الجماعة هزيمتها إلى «انتهاكات واسعة وتزوير فادح وتدخلات الأمن والبلطجة» خلال يوم الاقتراع. واعتبر بديع أن «النظام غلّب مصالحه ومصالح المنتفعين والفاسدين على مصلحة الوطن والمواطن، بل وعلى مستقبل مصر كلها». وقال إن «ما حدث في الانتخابات من تجاوزات وجرائم وإهدار لأحكام القضاء يعبّر بكل وضوح عن مدى ضعف النظام وارتباكه، وعدمِ مقدرته على قبول الآخر والتعايش معه؛ ما دفعه إلى اتباع سياسة ممنهجة، لكنها فاشلة، لإقصاء جميع القوى الحية في المجتمع، وفي القلب منها الإخوان». لكنه شدد على أن جماعته «ستلاحق كل من شارك في تزوير إرادة الأمة بالوسائل القانونية والإعلامية والشعبية كافة». ورأى أن «استخدام عصا الأمن الغليظة لعب بالنارِ وتصرف غير مسؤول». وأكد أن «ما بُني على الباطل فهو باطل، وهذه الانتخابات باطلة في معظم الدوائرِ، الأمر الذي يطعن في شرعية كل ما سيصدر عن هذا المجلس». وذكّر بأن هدف جماعته من المشاركة في الانتخابات كان «إعلاء قيمة الإيجابية في المجتمع، وضرورة ممارسة الشعب لحقوقه الدستورية والقانونية، والتصدي للفاسدين والمفسدين، وعدم ترك الساحة السياسية مجالاً خصباً لهم من دون حسيب ولا رقيب». ورد في شكل غير مباشر على تكهنات بتقليص الجماعة أولوية العمل السياسي بعد خروجها من البرلمان، مشدداً على أن «السياسة والأخلاق صنوان لا ينفصلان عن عقيدتنا وفي منهجنا». وقال إن «السياسة في تصورنا هي الاهتمام بالشأن العام، والحرص على إصلاح الوطن، وحل مشاكل الشعب، ورفع مستواه، والعمل على نهضة الأمة، ولذلك فهي ليست الانتخابات فقط، ولذلك سنظل نعمل في هذا النطاق، بل سنسعى إلى توطيد مكانة مصر على المستوى الإقليمي والعالمي من منطلق مبادئنا وأهدافنا». غير أنه حرص على تكرار أن «الإخوان مستمرون على نهجنا السلمي، ولن يستطيع أحد استدراجنا إلى رد فعل مخالف للقانون أو الدستور يؤثر على أمن واستقرار الوطن، فطريقنا واضحة، ومرسومة خطواتها، ولن نحيد عنها، فنحن مصرون على نضالنا الدستوري لتحقيق الحرية والتنمية لمصر وأبنائها». وتحدث عدد من مرشحي «الإخوان» خلال المؤتمر الصحافي عن الانتهاكات في دوائرهم، وعرضوا بطاقات انتخابية شبه محترقة قالوا إن الأمن أضرم فيها النار واستبدل بها بطاقات مزورة لمصلحة مرشحي الحزب الحاكم. وأعلن عضو مكتب الإرشاد الناطق باسم «الإخوان» الدكتور محمد مرسي أن «الجماعة ستحدد موقفها من الاستمرار في جولة الإعادة من عدمه» اليوم. وقال إن «القرار يدرس في مؤسساتنا الآن، وسنعلنه في أقرب فرصة». تهديد «الوفد» وفي السياق نفسه، اتهم حزب «الوفد» الليبرالي في بيان أمس الحزب الحاكم ب «اغتصاب حق المصريين في اختيار ممثليهم». وقال إن يوم الانتخابات «كان يوماً حزيناً شهد مذبحة الحرية والديموقراطية في مصر وانتهاك الشرعية الدستورية والقانونية بما قام به الحزب الحاكم من ممارسات لا ديموقراطية لاغتصاب حق المصريين في اختيار من يمثلهم وفرض مرشحيه للحصول على غالبية لا يستحقها في مجلس الشعب». وأشار «الوفد» إلى أن «الأحزاب الحاكمة في العالم الحر... تستمد شرعيتها من إرادة شعوبها واحترام الدستور والقانون، وعلى العكس من ذلك، فإن الحزب الحاكم في مصر يغتصب شرعيته بالعدوان على الدستور والقانون والاستناد إلى أساليب العنف والبلطجة في إدارته للانتخابات وتعامله مع معارضيه، وفي مقدمهم الوفد». وأكد أنه «رصد بكل الدهشة والاستنكار ما حدث من أفعال وممارسات من جانب الحزب الوطني وأعوانه أقل ما توصف به بأنها شاذة لا يمكن تصور حدوثها في دولة يحترم حكامها الدستور والقانون ويتقبلون مبدأ تداول السلطة»، لافتاً إلى أن «العدوان على إرادة الأمة بدأ منذ صباح يوم الانتخاب بمنع مندوبي الأحزاب والمستقلين من دخول لجان الانتخابات بالاستعانة بعناصر تحترف البلطجة التي أصبحت ثقافة واضحة لمرشحي الحزب الوطني وأداة من أدوات اغتصابه لإرادة الأمة». وحمّل اللجنة العليا للانتخابات «المسؤولية الرئيسة عن الانتهاكات، إلى جانب كل الجهات الرسمية المشاركة في إدارة العملية الانتخابية». ودعاها إلى «ممارسة صلاحياتها لوقف إعلان نتائج الانتخابات حتى تتحقق من صحة البلاغات والشكاوى التي تم إبلاغها بها وإعلان نتيجة الفحص وفقاً للقانون». وأوضح أنه «شارك في هذه الانتخابات اعتماداً على وعد رئيس الجمهورية بنزاهتها على رغم اتجاه نحو نصف أعضاء الهيئة الوفدية إلى مقاطعتها، وللأسف انحرفت الحكومة والحزب الحاكم عن هذا الوعد الرئاسي، وتمت أسوأ انتخابات تشريعية في تاريخ البلاد، ما يفقدهما ثقة الشعب». «الوطني» ينفي التزوير في المقابل، نفى الحزب الحاكم الاتهامات بالتزوير، ودعا في بيان أمس «كل من يشكك في نزاهة العملية الانتخابية أو حدوث إجراءات من شأنها التأثير على نزاهة الانتخابات إلى التقدم بشكوى إلى اللجنة العليا للانتخابات أو ببلاغ إلى النائب العام». وأشار إلى أنه «تقدم ببلاغ إلى النائب العام في شأن قيام بعض المرشحين التابعين لتنظيم الإخوان غير الشرعي بممارسة العنف ضد مرشحي الحزب وأنصاره». وتطرق البيان إلى شكوى القاضي في محكمة استئناف القاهرة وليد الشافعي الذي نقلت عنه صحف محلية أمس رصده عمليات تزوير في دائرة البدرشين في محافظة 6 أكتوبر وتعرضه لاعتداء على أيدي رجال الأمن. وقال الحزب إنه «بغض النظر عن هذه الواقعة وعما إذا كانت صحيحة أم لا، فهي حادثة فردية بالنظر إلى قيام مئات القضاة من أعضاء اللجان العامة بزيارات تفقدية للجان الفرعية، ولم يشر أحد إلى حدوث مثل هذه الواقعة». وطالب اللجنة العليا للانتخابات ب «التحقق من صحة هذه الواقعة واتخاذ التصرف القانوني إزاءها»، مؤكداً «موقفه الثابت في شأن إدانة العنف بكل أشكاله وصوره بغض النظر عمن يمارسه». وندد ب «دأب عدد من المعارضين على تكرار الاتهامات نفسها بالأساليب نفسها عقب أي انتخابات عامة يتم إجراؤها في مصر». ورأى أن «مثل هذه الاتهامات المرسلة ليس له أساس من الصحة... وعلى رغم بعض ممارسات العنف جاءت نتيجة احتدام المنافسة وسخونة أجواء المعركة الانتخابية، فإنها تعتبر الأقل عنفاً مقارنة بانتخابات 2005 التي شهدت مقتل 14 شخصاً واستخدام أعمال عنف وبلطجة لترويع الناخبين». ونقل موقع الحزب عن أمين الإعلام الدكتور علي الدين هلال قوله ان «الشكاوى في شأن التجاوزات ليس محلها صفحات الجرائد أو الفضائيات، انما مكانها هو اللجنة العليا للانتخابات، وعدم تقدم أصحابها أياً كانت صفاتهم بشكاوى إلى اللجنة العليا هو دليل على عدم جديتهم، وأن ما يهدفون إليه ليس إعلاء صوت الحق والقانون وإنما إثارة جو من البلبلة والإشاعات». وأضاف أن «عمل اللجنة يتضمن بحث أي مخالفات أو تجاوزات تمت أثناء الانتخابات». أما الأمين العام للحزب صفوت الشريف، فدافع عن فوز «الوطني» في غالبية الدوائر التي حسمت في الجولة الأولى، معتبراً أن «النتائج التي حققها الحزب هي ثمرة جهد سياسي وحزبي وتنظيمي على مدى خمس سنوات، والحزب يجني ثمار احترامه للشعب وتبنيه لمصالحه والتعبير عن قضاياه من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية استهدفت مصالح المواطنين، ونجني ثمار البرنامج الانتخابي للحزب، وهو برنامج طموح يتضمن تعهدات والتزامات واضحة، كما نجني ثمرة التقدم بمرشحين لهم شعبية ولهم تاريخ في خدمة دوائرهم». وشدد على أن «الحزب الوطني لم يخدع أحداً ولم يعقد صفقات مع أحد، وأعلن ذلك مراراً وتكراراً... الانتخابات لم تنته بعد، والقادم أصعب». وبدا من نتائج الجولة الأولى أن نهج الحكم مع «الإخوان» يشهد تحولاً يهدف إلى تحجيم الجماعة، خصوصاً عبر سياسة قطع خطوط الاتصال بين «إخوان» الداخل وامتداداتهم الخارجية، إذ أظهرت النتائج خروج ثلاثة من النواب البارزين للجماعة في البرلمان المنتهية ولايته، هم عضوا مكتب الإرشاد سعد الكتاتني وسعد الحسيني ومسؤول «الإخوان» في الاسكندرية حسين ابراهيم. هذا الثلاثي الذي كان يوصف بأنه المسؤول عن التواصل مع «إخوان» الخارج، خصوصاً أن الكتاتني قام بزيارات مكوكية لاحتواء تذمر بين فروع الجماعة خارج مصر من الانتخابات الداخلية التي أجرتها مطلع العام وتسببت بانشقاقات، إضافة إلى الزيارات شبه الشهرية التي كان يقوم بها الثلاثي إلى الخارج للتواصل مع «الاخوان» وحضور المؤتمرات الإسلامية.