مسارات من اللون تلتفّ وتتمايل لتصنع أشكالاً تداعب الفراغ بنعومة وشاعرية. أشكال منحوتة من الزجاج يتخللها الضوء ويسكنها اللون. تتعاشق وتتلوى إلى جانب كتل أخرى قدت من الصخر. وعلى رغم ما بين العنصرين من تباين وتنافر تم التأكيد عليه وإبرازه إلا أنك تلمح أيضاً بين هذه الأشكال نوعاً من الانسجام والتعايش بين خامة الزجاج بنعومتها وشفافيتها المعهودة. وهذه الصخور بقوتها وإعتامها. هي أعمال منحوتة من الزجاج والصخور تعرضها ياسمينا حيدر في مركز الجزيرة للفنون في القاهرة حتى الرابع من كانون الأول (ديسمبر) الجاري ثم تنتقل الى أتيليه الإسكندرية حتى 22 منه. وياسمينا حيدر فنانة مصرية تعيش وتعمل في مدينة الإسكندرية، عرفت باشتغالها على الزجاج كخامة للنحت. وهي تقوم بتدريس مادة النحت في كلية الفنون الجميلة، وشاركت في عدد من المعارض الجماعية وورش العمل التي أقيمت في مصر. كما كانت لها مشاركات خارجية في عدد من الدول. بعد حصول حيدر على الماجستير في الفنون الجميلة سافرت إلى إيطاليا عام 2006 لاستكمال دراساتها العليا. وهناك أقامت أول عمل صرحي من الزجاج بالحجم الكبير داخل أحد المتاحف المفتوحة بجنوب إيطاليا، مثل العمل على ورق شجرة البلوط المنتشرة في الجنوب الإيطالي. وهو عمل كبير تم نحته من كتلة واحدة من الزجاج يبلغ وزنها نصف طن تقريباً. وبعد عودتها إلى مصر قامت بتنفيذ أحد الأعمال النحتية الكبيرة بالخامة نفسها داخل مكتبة الإسكندرية. مارست حيدر النحت على خامات مختلفة في البداية. فهي كانت تعشق المزج بين أكثر من خامة في العمل الواحد. وغالباً ما كان يثيرها كما تقول تلك الخامات التي تجمع بين اللون والضوء. فلجأت أول الأمر إلى أنواع مختلفة من اللدائن والخامات البلاستيكية. ثم اتجهت بعد ذلك للنحت على خامة الزجاج. وعلى رغم صعوبة التعامل مع تلك الخامة إلا أنها وقعت في عشقها لتمثل في ما بعد الخامة الرئيس في أعمالها. كما أنها مثلت أيضاً محور الرسالة التي قدمتها لنيل درجة الدكتوراه في الفنون الجميلة. تقول حيدر: «خامة الزجاج تتميز بإمكانات وطبيعة مختلفة عن غيرها من الخامات الأخرى. وهى خامة يمكن صياغتها والتعامل معها بكل الأحجام. بداية من الأحجام الصغيرة جداً إلى الأحجام الكبيرة الصرحية التي تزيد على الأربعين أو الخمسين متراً. إضافة إلى قدرتها على تحمل درجات الحرارة المختلفة. وهي تنطوي على اللون والشفافية والإعتام أيضاً. كما أن فيها نوعاً من الغموض. والتعامل معها يكون دائماً محفوفاً بالمخاطر». وتضيف حيدر: «يحتاج الزجاج إلى أدوات خاصة ومختلفة غير الأدوات التي يتم التعامل بها مع الخامات الأخرى. هناك أدوات متعارف عليها. وأدوات أخرى قمت بتطويعها بنفسي كي تناسب النحت على الزجاج. وكانت الرسالة التي تقدمت بها لنيل درجة الدكتوراه هي عن ابتكار طريقة للنحت المباشر على الزجاج غير الطرق المتعارف عليها. فقد كان لي الحظ أن أبتكر طريقة لا تخضع للصدفة ساعدتني على التشكيل المباشر على الزجاج. وقد أفادتني تلك الطريقة في تنفيذ الأعمال الصرحية الكبيرة. فأنا حين أقوم بعمل ميداني على سبيل المثال لا يجب أن يكون للصدفة دور في صياغة هذا العمل. بل يجب أن تكون النتائج محسوبة ومدروسة جيداً». في أعمال حيدر هناك مزج واضح ما بين الزجاج والأحجار. هي تضع الأشكال الزجاجية في مواجهة الكتل الحجرية. أو تصنع تجاويف ومسارات في الكتل الحجرية وتملأها بعد ذلك بخامة الزجاج لتقدم شكلاً مبتكراً يراوح بين الشفافية والإعتام وما بين القوة والصلابة والنعومة والانسيابية في آن. هي موسيقى بصرية تتأرجح بين الصخب والهدوء. تتعامل معها حيدر بكل ثقة كما تتعامل مع نغمات البيانو. هذه الآلة التي تجيد العزف عليها. فهي حاصلة على دبلوم العزف الموسيقي المنفرد على آلة البيانو من المدرسة الملكية للموسيقى بإنكلترا. وهي تؤكد تلك العلاقة بين ما تقوم بتشكيله على الزجاج والأحجار وبين ما تعزفه على آلة البيانو بقولها: «إن آلة البيانو هي إحدى الآلات التي تتميز بالرقة والتي تحتاج إلى التركيز والدقة عند العزف عليها. وكذلك هي الحال في التعامل مع النحت على خامتي الزجاج والحجر».