صوّت المصريون أمس في انتخابات برلمانية كان العنف سمتها الأبرز، على رغم التواجد الأمني المكثف في محيط اللجان التي شهدت أربع وفيات، قالت السلطات أنها غير مرتبطة بالاستحقاق، إضافة إلى سقوط جرحى باشتباكات بين أنصار المرشحين من مختلف الاتجاهات في محافظات عدة. وبدا من المؤشرات الأولى أن نسبة المشاركة ستكون متدنية جداً، في ظل تخوف الناخبين من أعمال العنف. ورصدت منظمات حقوقية وقوى معارضة حدوث انتهاكات على نطاق واسع، بما في ذلك عمليات شراء أصوات و»تسويد» بطاقات اقتراع بالجملة، خصوصاً لمصلحة مرشحي الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، وهو ما نفاه الحزب. ولوحظ أن أعمال البلطجة لم تقتصر على مرشحي «الوطني» فحسب، بل لجأ إليها مرشحون من أحزاب معارضة وآخرون مستقلون، خصوصاً في المناطق التي تتحكم فيها العصبيات العشائرية. وشكا مرشحو المعارضة من منع مندوبيهم من دخول اللجان، وأعلن بعضهم انسحابه، أبرزهم رئيس «حزب الكرامة – تحت التأسيس» حمدين صباحي وجميلة إسماعيل طليقة المعارض الشهير أيمن نور. وخاض المنافسة 5033 مرشحاً، على 507 مقاعد، بينها 63 مقعداً للمرأة، بعد إرجاء الانتخابات على مقعد نسائي في محافظة كفر الشيخ لعدم تقدم أي مرشحة. وتمت الانتخابات في 44 ألفاً و500 لجنة تولى 276 ألف موظف حكومي مهمات تسييرها، فيما اقتصر الإشراف القضائي على اللجان العامة بمشاركة 2286 من رجال القضاء. وأعلنت اللجنة العليا المشرفة على إجراء الانتخابات أن النتائج النهائية للجولة الأولى ستعلن غداً الثلثاء، لتعقد الجولة الثانية الأحد المقبل. وانتشرت مظاهر البلطجة أمام غالبية الدوائر الانتخابية، إذ ظلت شاحنات صغيرة تقل بلطجية يحملون العصي والأسلحة البيضاء تطوف المقار الانتخابية في عرض للقوة بين مختلف المرشحين. ووصل الأمر إلى حد استخدام الأسلحة النارية في بعض الدوائر. وتبادل مرشحو الحزب الوطني وجماعة «الإخوان» الاتهامات باللجوء إلى العنف لتحقيق مكاسب انتخابية. وسقط أربعة قتلى بينهم نجل مرشح مستقل في دائرة المطرية في القاهرة بعد أن طُعن بسلاح أبيض، وفي محافظة المنوفية (في دلتا النيل) توفي مسن بعد أن أصيب بهبوط حاد في الدورة الدموية، كما توفيت امرأة مسنة في محافظة الإسكندرية أثناء ادلائها بصوتها متأثرة بغيبوبة سكر. وفي قنا (في الصعيد) قتل رجل طعناً، وأصيب شاب بطلق ناري في محافظة الدقهلية. وفي مدينة كفر الدوار (شمال الدلتا)، أغلق مكتب اقتراع في منطقة كوم البركة بعد قيام مرشحي الحزب الوطني الحاكم بتحطيم تسعة صناديق اقتراع. ويتنافس ثلاثة من مرشحي الحزب في هذه الدائرة على مقعد واحد. وفي بلدة سمنود في محافظة الغربية (دلتا النيل)، فرقت الشرطة بالقنابلالمسيلة للدموع انصار مرشح الحزب الوطني امين محمد سعد الدين بعد ان حاولوا اقتحام لجنة معهد فتيات سمنود الأزهري احتجاجاً على عدم حصول مندوبيه على التوكيلات التي تتيح لهم مراقبة الانتخابات من داخل مكتب الاقتراع وفقاً لما يقتضيه القانون. وفي السويس، قالت مصادر أمنية إن ضابط شرطة أصيب في اشتباك مع محتجين خارج مديرية الأمن. شكوى المعارضة وأعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» أن أجهزة الأمن اعتقلت 186 من أعضائها. وقال عضو مكتب إرشاد «الإخوان» مسؤول ملف الانتخابات الدكتور عصام العريان ل «الحياة»: «مررنا بيوم عصيب مليء بالانتهاكات التي بدأت بعدم احترام اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات لأحكام القضاء مروراً بمنع مندوبينا من دخول اللجان، وصولاً إلى رصد عمليات تسويد البطاقات الانتخابية». واعتبر أن هذا يدل على أن «النظام ينفذ سياسة واضحة لإخراج العملية الانتخابية بالصورة التي يريدها». وحجبت المواقع الناطقة باسم «الإخوان» على الإنترنت أمس، ما اعتبر «محاولة لقطع خطوط الاتصال بين القيادة المركزية للجماعة ومناصريها». ورد «الإخوان» على هذا الإجراء بالتواصل عبر الرسائل القصيرة والبريد الإلكتروني، إضافة إلى موقع «فيسبوك». وأقر العريان بتأثر جماعته بإغلاق موقعها الإلكتروني الرسمي. وجرح مرشح الإخوان في الإسكندرية صبحي صالح بعد اعتداء مناصري مرشحين منافسين واعتقال النائب السابق ل «الإخوان» عن محافظة بورسعيد أكرم الشاعر قبل ان تطلقة الأجهزة الأمنية. وندد «الإخوان» في بيان ب «سياسة النظام في تزوير منهجي للانتخابات بمختلف الطرق والأساليب، وتغييب الشعب المصري عن الحضور وتزييف إرادته»، لكنها شددت على أنها «أمام ذلك مصممة على الثبات والاستمرار فى وجه كل الأساليب على رغم كل التضحيات». كما شكا عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عصام شيحة من منع مندوبي مرشحي حزبه من دخول اللجان، مشيراً إلى «حدوث انتهاكات في عدد كبير من الدوائر، بينها شراء الأصوات أمام أعين رجال الشرطة لمصلحة المرشحين المنافسين وأعمال البلطجة التي حدثت في دوائر محافظة الدقهلية». ولفت إلى أن مرشح الحزب في محافظة قنا تعرض لتهديد بالقتل. الداخلية تنفي لكن وزارة الداخلية نفت أن يكون لسقوط القتلى علاقة بالانتخابات. وأكد مصدر أمني أن «خلافات عائلية كانت وراء مقتل المواطن في قنا وليست للواقعة أدنى علاقة بالعملية الانتخابية». أما نجل المرشح، فأكد الناطق باسم وزارة الداخلية اعتقال عاملين بتهمة قتله «بعد مغازلته شقيقة أحدهما». كذلك، دافع الحزب الوطني عن سير العملية الانتخابية. وقال أمينه العام صفوت الشريف إن «الحزب لن ينزلق إلى فخ الاستفزازت التي تحدث من جانب قلة خارجة عن القانون». ونوّه ب «الضمانات القانونية والقواعد المنظمة للعملية الانتخابية»، واعتبر أن «هذه الانتخابات ستمثل نقطة تحول في الممارسة الديموقراطية في مصر». ونفى وقوع مشاحنات بين بعض أنصار الحزب الوطني في بعض الدوائر. وأكدت الحكومة على لسان رئيس وزرائها أحمد نظيف «التزامها الحياد الكامل والنزاهة والشفافية» في الانتخابات. وردت اللجنة العليا للانتخابات على حديث التزوير والانتهاكات بتأكيد الناطق باسمها المستشار سامح الكاشف أن «اللجنة لم تتلق أي شكاوى جسيمة من أي من المرشحين أو الناخبين بما يخل بحسن سير العملية الانتخابية أو يهدد سلامتها». تقارير مراقبين وأصدرت منظمات مدنية وحقوقية بيانات انتقدت الخروق في الانتخابات، وأبرزها تعرض مندوبيها لملاحقات واعتداءات تحول دون تمكنهم من الرقابة واستخدام العنف وعمليات تسويد البطاقات ورشاوى ومنع مندوبي المرشحين من الدخول إلى اللجان الانتخابية. وأعلن «المجلس القومي لحقوق الإنسان» تلقيه أكثر من 400 شكوى بمنع أنصار بعض المرشحين من الدخول إلى لجان الاقتراع ووقوع أعمال بلطجة وتقديم رشاوى انتخابية وقال «التحالف المصري لمراقبة الانتخابات» الذي يضم 123 منظمة حقوقية في تقريره أمس أن «الانتخابات شهدت جملة من الانتهاكات والتجاوزات تمثلت باستخدام العنف»، فيما ذكر «الائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات» إن «الدوائر الأمنية ترفض منذ السبت منح توكيلات لمندوبي المرشحين» وأنه «لم يسمح لممثلي الإخوان المسلمين والمستقلين والمعارضة بالدخول الى مراكز الاقتراع»، وأضاف أن «قوات الأمن هاجمت ممثلي المرشحين ووسائل الإعلام والمرشحين. وتم استخدام بلطجية (مجرمين) ضد المرشحين وأنصارهم».