حذر اختصاصيون نفسيون من عدم انتباه الوالدين إلى بعض الاضطرابات النفسية، التي تظهر علاماتها على أطفالهم في سن صغيرة، داعين إلى معالجتها مبكراً قبل تفاقمها، لأن معظمها قد يتسبب في تدهور الحال النفسية للطفل في شكل ينعكس فعلها سلبياً على نفسه ثم على الأسرة والمجتمع، مبينين أن أكثر المشكلات تظهر على الأطفال من سن سنتين إلى أربع سنوات، وربما تمتد إلى سن التاسعة. وأوضح أستاذ علم النفس المشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمد القحطاني، أن بعض الاضطرابات النفسية لدى الأطفال خطرة وتترك آثاراً جسيمة في نفسيتهم مع الكبر، ويكونون في مرحلة لاحقة من العمر عرضة للتحرش الجنسي أو أرضية سهلة لغرس الأفكار الهدّامة والتشجيع على العدوانية، أو تقبلهم أفكاراً ضالة، إذا ترك لهم «الحبل على الغارب» في بيئة سلبية لا تبالي بما يحدث. وقال: «إن الاضطرابات النفسية لدى الأطفال يمكن وصفها بالظاهرة، وذلك بسبب ظروف الأسرة والمشكلات وإهمال تربية الأطفال وعدم توجيههم وإرشادهم»، مشيراً إلى أنه يوجد كثير من الأطفال الذين يعانون من مشكلات نفسية وسلوكية داخل البيوت، والمؤسف أن بعض الأهالي يرفضون علاجهم من باب الحرج أو الخجل من معرفة الأقارب بذلك. وكشف القحطاني عن وجود بعض العلامات التي تشير إلى تعرض الأطفال لمشكلات نفسية وسلوكية تؤثر فيهم، مثل: سلس البول، فقدان الشهية، شراهة الأكل، قضم الأظافر، مص الأصبع، الأرق النفسي، الاضطرابات الذهنية، كعدم التركيز على التحصيل الدراسي، والتأخر الدراسي الشديد، أو الهرب من المدرسة، أو ارتكاب بعض السلوكيات الخاطئة، مثل: الكذب، والسرقة، والاعتداء على نظرائه. وأشار إلى أن لكل ظاهرة نفسية سبباً معيناً، فسلس البول ومص الأصابع تكمن أسبابها في التعنيف والضرب النفسي والتخويف والتوتر والتهديد، الذي يعيشه الطفل مع الأسرة، فتظهر الأعراض المرضية المصاحبة للمرض، وبالنسبة إلى العدوان والعناد فسببه عدم وجود محبة بين الأم والأب وممارسة السلوك العدواني مع الطفل ليكتسب الطفل هذا السلوك العدواني ويكره والديه والأسرة، والذي يمكن أن يولد لديه السلوكيات العدوانية كالسرقة والكذب والمضاربات. ولفت أستاذ علم النفس المشارك في جامعة الإمام إلى أن تجاهل المرض النفسي للطفل يُفاقم الحال المرضية، بسبب خجل الأهل من علاج طفلهم، عاداً مشكلات الأطفال من بنين وبنات متشابهة أو قريبة بسبب أن مرحلة الطفولة لا يوجد تمايز بينهم فيها، داعياً في هذا الصدد إلى تحقيق السلامة النفسية للأطفال، من خلال ممارسة الوالدين التنشئة الصحيحة للأبناء، والامتناع عن استخدام الأوامر، وحب الطفل وتقبل سلوكه. بدوره، أوضح أستاذ التحضر وعلوم الجريمة في جامعة الملك سعود الدكتور محمد الوهيد، أن التربية السليمة تُنتج إنساناً قوياً سليم العقل والنفس والجسد، وخلافها تنتج الإعاقات النفسية والعاهات العقلية وتدخل الطفل أنفاقاً من العذاب والمعاناة النفسية له ولأسرته ومجتمعة، مفيداً بأن التوازن هو قوام التربية الأسرية الصحيحة، فلكي يُعَدّ الشخص لدخول المدرسة يتم غرس قواعد السلوك والمعايشة الاجتماعية والفلسفة الأخلاقية، التي تنمو معه بقية حياته. وأكد أهمية العناية النفسية والجسدية والحماية والإرشاد السلوكي والإشباع العاطفي وكفاءة التربية، التي تتمثل بتخريج الإنسان السليم عقلاً وجسماً ونفساً وروحاً، مع إخراج النماذج الخالية من مؤشرات العنف والميول الإجرامية والانحراف السلوكي الجنسي وتعاطي المخدرات والسرقة، مشيراً إلى أن الفاشلين تربوياً يجرّون الأسرة إلى معاناة عميقة قد تنتهي بتدميرها، فذوي السلوكيات الإرهابية تستحل الدماء والتفجير والقتل حتى لأقرب الناس؛ كالوالدين والأبناء والإخوة والأقارب. وحذر الوهيد من التدليل الزائد وخلق الأنانية لدى الطفل الذي ربما تدمر قدراته الشخصية، في حين أن هناك كثيراً من الأخطاء التربوية؛ كالضرب والحرمان ومقارنة الطفل مع الآخرين والسخرية من الخِلقة أو من المكونات البدنية له، كالبدانة أو قصر القامة أو اللون أو الصوت وغيرها من الأساليب، وهي التي تقود الطفل إلى المهالك وفقدان مكانته في المجتمع بوصفه لبنة سليمة يعوّل عليها كثير من الآمال في بناء الحاضر ورسم المستقبل المشرق للأمة.